متابعة / المدى
يواجه العراق تفاقماً في الفجوة السكنية نتيجة ارتفاع معدلات النمو السكاني وتوسع النزوح من الريف إلى المدن، بالتزامن مع بطء تنفيذ المشاريع الإسكانية، على الرغم من تعهدات حكومية متكررة بأن هذا الملف يشكل أولوية لتأمين سكن كريم لجميع المواطنين.
ويؤكد مختصون أن العجز السكني يتجاوز ثلاثة ملايين وحدة سكنية حتى نهاية عام 2024. وتُظهر تقارير ديوان الرقابة المالية لعام 2023 أن نحو 65% من المشاريع الحكومية متعثرة، فيما يبلغ معدل النمو السكاني السنوي 6.2% ما يتطلب بناء 250 ألف وحدة سكنية سنوياً لتقليص الفجوة.
المواطنة أم علياء من بغداد، واحدة من المتضررات من هذه الأزمة، تقول في تقرير صحفي نشرته وكالات الانباء، إنها كانت تأمل بالحصول على وحدة سكنية ضمن أحد المشاريع التي أُطلقت قبل سنوات، غير أن المشروع آل إلى مستثمر خاص دون أن يوفر حصة فعلية لذوي الدخل المحدود، وتوضح أن أسعار الأراضي أصبحت «خيالية»، وأن تكلفة البناء تفوق إمكانياتهم، مشيرة إلى أن راتب زوجها لا يغطي سوى الإيجار والمصاريف اليومية.
المواطنون لا يلمسون نتائج
المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، يشير إلى أن السكن يمثل أولوية في توجهات الحكومة، موضحاً أن خطة التنمية الخمسية (2024–2028) خصصت مساحة مهمة لهذا الملف، إلى جانب مشاريع أخرى قيد التنفيذ، من بينها 16 مدينة سكنية، بعضها دخل حيز التنفيذ والآخر قيد الإعداد. ورغم هذه التصريحات، يؤكد عضو لجنة الاستثمار والتنمية النيابية، ضياء هندي الحسناوي، أن التباطؤ في تنفيذ المشاريع لا يزال مستمراً، مشيراً إلى أن الوعود المتكررة دون نتائج ملموسة أسهمت في فقدان ثقة المواطن. ويشدد على أن الإجراءات البيروقراطية المعقدة تعرقل تنفيذ المجمعات السكنية، خصوصاً في المحافظات التي تواجه ضغطاً سكانياً متزايداً. الخبير الاقتصادي كريم الحلو يلفت إلى أن أزمة السكن ترجع إلى عدة عوامل، منها الزيادة السكانية السنوية بمقدار مليون نسمة، واستمرار النزوح من الريف بسبب تدهور القطاع الزراعي وغياب فرص العمل، فضلاً عن غياب الحلول الحكومية الجادة. ويشير إلى أن بعض المجمعات السكنية تحولت إلى واجهة لغسيل الأموال، حيث يستحوذ مستثمرون على عشرات الوحدات السكنية ثم يبيعونها بأسعار مرتفعة.
دعوات إلى إصلاح شامل
من جانبه، يبيّن الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه أن العجز السكني المتراكم سببه تعقيد الإجراءات الحكومية، حيث تتداخل صلاحيات 12 جهة رقابية في المشروع الواحد، مع غياب قانون موحد ينظم التخصيصات العقارية والإعفاءات للمستثمرين. ويضيف أن ضعف النظام المصرفي والتمويل العقاري طويل الأجل، إلى جانب هشاشة البنى التحتية في المدن الطرفية، يجعل جدوى المشاريع السكنية محدودة.
ويقترح عبد ربه جملة من الحلول، أبرزها إنشاء هيئة وطنية عليا للإسكان بصلاحيات تنفيذية، وتوحيد إجراءات الاستثمار خلال ستة أشهر، وإصدار سندات إسكانية بعوائد مضمونة، وتقديم ضمانات حكومية لتشجيع التمويل العقاري بفوائد منخفضة. كما يدعو إلى تخصيص أراضٍ حكومية للشراكة الاستثمارية، وتفعيل صندوق الإسكان السيادي من فائض النفط، وإطلاق مبادرة «سكن للمهنيين» تشمل المعلمين والأطباء والمهندسين، إلى جانب دمج مخصصات الإسكان والبلديات في صندوق تنمية موحد.
ويختتم عبد ربه بالقول إن أزمة السكن في العراق ليست مجرد خلل في الأرقام، بل تعكس غياب العدالة في توزيع الفرص، مؤكداً أن تجاوزها يتطلب إرادة سياسية واضحة، وإدارة تنفيذية فاعلة، ومساراً تشريعياً داعماً، وإلا فإن مستقبل الأجيال الشابة في خطر.










