د. أثير ناظم الجاسور
من بديهات عمل صناع القرار التأسيس للدولة وفق متبنيات شخصية ونسق فكري ينطلق من فلسفة البناء والتحديث الى نهاية مفهوم راسخ يتمثل بتحقيق المصلحة الوطنية، وهذه الآلية تتم بالضرورة وفق دراسة عميقة لمعطيات دولية واقليمية وكيف تؤثر بواقع الاحداث على الداخل الذي يُعد من اكثر العوامل أهمية في التأثير على السلوك والاجراء الناتج من الوحدة القرارية، فالنظرية التي تؤسس لبناء الدول لطالما اصطدمت بواقع المتغيرات والمسارات المُتبعة من قبل الدول الأخرى في رسم استراتيجياتها التي تلعب دور في بلورة أهدافها تجاه مناطق مختلفة من العالم، وفي سبيل تحقيق مصالحها المهمة والأكثر أهمية. عالم اليوم والتطور الذي يُساهم في تسريع التقدم يسحب صناع القرار لمساحات اضطرارية قد تكون خارج اطار المألوف لما لها من تداعيات كبيرة على سياسة الدول نفسها، هذا ما يجعل فكرة تحديد المهم والأهم بالنسبة لما يُتخذ من قرار رهين المعرفة لدور الدولة ومقوماتها وما تتمتع به نُخبها من خبرة على إدارة شؤونها.
ما السياسة الا نوافذ مفتوحة تُظهر نهج الدولة ومساراتها ، ومتبنياتها ومغلقة لا يمكن مرور الضوء من خلالها لما لها من أهمية وسرية ، او أكثر تركيز هي نوافذ داخلية تطل على كل متعلقات المنزل، بالتالي من غير الممكن النظر من خلالها على ما يحدث فضلاً عن المقتنيات، فكيف بدولة لها من الأسرار والتحضير والتطوير ما يساعد في بناء و رقي الدولة وهي بالحقيقة كل ما يتعلق بالسيادة والشأن الداخلي، بالتالي على صانع القرار والنخب السياسية العمل بحرص على ان تكون هذه النوافذ مغلقة لا يمتلك اسلوب فتحها إلا من هم على قدر عالٍ من المسؤولية لأن معرفة رموز فتح هذه النافذة المهمة يؤشر بشكل او بأخر مستوى ضعف الدولة وعدم قدرة صانع قرارها ونخبها على تحمل المسؤلية، وعالم اليوم بقواه الاقليمية والدولية المهيمنة همها الاول والاخير كيفية النفاذ من خلال هذه النوافذ الحساسة، وبالمحصلة لابد من أن تمتلك الدولة سياسة وأستراتيجية مستقلة تعمل على وضع كل صور الدولة وفق إطار وطني يحمل في طياته بالدرجة الأساس مصلحة البلاد والشعب .
مشكلة دول العالم العربي ان نوافذهم المهمة وغير المهمة مفتوحة على مصراعيها بعد أن فشلت في رسم سياساتها التي تساعدهم على بناء دول عصرية ، وهذا ناتج من حالة الضعف السياسي والتفكك الاجتماعي وانغلاق العقل السلطوي، فلا تنفع مفاهيم ديمقراطية ولا حقوق وواجبات بقدر ما إن يكون الاستمرار هو ديدن الحكومات العربية بصناع قرارها، بالتالي عملية اجترار القرار السياسي كان نتيجة تراكم خيبات سبقتها قرارات ساعدت على تفتيت الأمة وانهيار قيمها وبلادة العقل الذي يقود. لم تكن عملية البناء هي الأساس بقدر ما كانت الحماية هي التصور والمنهج والفكرة بالنسبة للنخبة الرسمية ة، فكانت هذه الحماية بدولها من امتلك مفاتيح النوافذ التي جعلت من الكثير من دول العالم العربي عراة امام التقدم والهيمنة والسيطرة للقوى الأخرى، بعد أن فقدت القرار والتنسيق والمبادئ والمشروع وكل ما له علاقة بالانسان.
النوافذ لن تغلق طالما صانع القرار العربي يخشى التحديث والتفكير ، وطالما مارس القمع والقتل والتنكيل تجاه كل من يُفكر ويُنظر والاخطر من ذلك تجاه كل مل وسطي يطرح مشروعاً وطنياً. السياسة العربية من المحيط إلى الخليج هي الخطاب المُتخم سياسا، دينيا واجتماعياً فالنخبة الاجتماعية لطالما انقسمت بين من لا يملك الادوات حتى يتفاعل وبين العضوي الميال للسياسة والدين والطائفة والقومية، نخبة تعترف بانها غير رسمية لا حول لها ولا قوة ، مجرد رقم اجتماعي تلوح الحكومات بوجوده لغرض التنويه بوجود حريات، اما النخب السياسية من أصحاب القرار فهم ايضا منقسمين بين مؤيد للمشاريع المطروحة من خارج الحدود ، وبين نخب استطاعت أن تؤسس لبناء هش على أرض رملية تتزحزح مع كل فعل حتى وإن لم تكن للدولة علاقة بها، بالمحصلة تاهتئية نحن امام عالم عربي مخترق هش لا يمتلك المقومات التي تساهم في بناء منظومة فكرية - سياسية تعمل من اجل مستقبل واضح المعالم. انه اشبه ببيت عنكبوت بلا سقف ولا نوافذ .










