طالب عبد العزيز
يصحُّ أنْ نقول بأنَّ الأديان والطوائف أسبابٌ رئيسية لعدم استقرار منطقة الشرق الأوسط، وإنَّ الحروب المعلنة التي اندلعت؛ والتي لم تندلع بعد؛ مجتمعة؛ إنّما قامت وتقوم لأسباب دينية، مع يقيننا بأنَّ الشعوب عرفت الصراعات الأيديولوجية أيضاً، وأنَّ أحزاب اليمين واليسار ومعها النزاعات الوطنية والقومية ظلت ولفترات طويلة تذكي نار الاختلاف؛ والفرقة، وتتسبب بمقاتل في البلاد هذه أو تلك؛ لكنها عرفت فترات هدوء وتصالح، ومشاركة لكنَّ الجماعات الدينية والطائفية لم يحدث أنها التقت معاً، في مشروع وطني، بهدف التحرر والبناء والنهوض.
نقرأ في أدبيات التاريخ والسياسة أنَّ قيادات أحزاب قومية، إشتراكية، ماركسية، ليبرالية. .. الخ تركت خلافاتها جانباً؛ واصطفت مع بعضها في تشكيل حكوميٍّ ما، أو انتظمت في جبهة موحدة، وأنَّ مشروعاً سياسياً عملت عليه هذه الكتلة أو تلك، مع احتفاظها بجملة التباينات والاختلافات في الايدولوجيات والتوجهات الخاصة، لأنها سعت لتحقيق غرض وطنيٍّ، قوميٍّ، تحرريٍّ... إلّا أننا لم نقرأ أنَّ جماعات دينية- مذهبية-طائفية اشتركت بمثل المشاريع تلك، وإنْ كانت داخل الدين أو الطائفة أو المذهب ذاته، هناك بغضاء كامنة في نفس كلِّ واحد منهم، وهناك حرب معلنة أو غير معلنة، لكنها تؤذن بلحظة قيامتها، في أيِّ ساعة، ولا يأبه أفرادها بالمجاهرة في أحقيّة العقيدة التي ينتمون اليها، مع بطلان أو فساد العقيدة عند شريكهم وسواه.
حين قاد الامام الخميني الثورة بعد وصوله طهران من باريس في 1979 أعلنَ جهاراً نهاراً بأنَّ الثورة يجب أنْ تصدَّر الى العالم بأكمله، وهو تصريح ضمني بأنَّ المذهب الشيعي هو المذهب الذي يجب أن يتبع، ولم تكن تلك بدعة منه، أبداً فالعقلية الشيعية لا تضمر ذلك، إنما تصرِّح به، كذلك يكون الامر عند أهل السنة، بوصف مذهبهم هو الذي يجب أن يسود، ولا يضمر أئمة أهل السنة بطلان معتقد الشيعة والاسماعيلية والاباضية والصوفية وسواهم، ولم تكن هذه خصيصة نهايات القرن العشرين أو بدايات الالفية الثالثة، أبداً، هي متجذرة في التاريخ العربي الإسلامي منذ سقيفة بني ساعدة الى اليوم، وإن لم تجد منفذها في لحظة محمد بن عبد الوهاب أو ثورة الخميني فستجد لها منفذاً في لحظة أخرى لا محالة، ذلك لأنَّ الخلاف كامنٌ أبدي.
في اللغة اللاتينية يُطلقُ على الحرب الدينية بالحرب المقدّسة، لأنها حربٌ مُسْبَبَةٌ، أو مبررةٌ من أساسها، بسبب الاختلافات الدينية، وفي الفترة الحديثة كثرت النقاشات حول مدى غلبة الجوانب الدينية أو الاقتصادية أو الإثنية في أيِّ صراع ديني، وربما كانت الجوانب تلك اسباباً للحروب المسيحية في أوروبا، لكنَّنا لم نلمسها في حروب الشرق العربي، فقد تكشف لنا بأنَّ المصالح الاقتصادية لم تستطع قمع الخلافات الدينية- المذهبية المتأصلة في الوجدان المريض، ولو أنَّ الأطراف الشيعية والسنية والايزيدية والدرزية بتشعباتها في العراق وسوريا ولبنان وعموم الشرق الإسلامي كانت قد تخلصت من عقدها تلك لكانت المنطقة آمنةً لنا، ضامنةً لحياتنا.
صرنا نطمح الى حلول كهذه، وإن كانت على حساب أقواتنا، ومستقبل أولادنا في الحياة، لكنها وللأسف لم تذهب الى اصطفافات السياسة متخلصةً من عقدها الاثنية، الطائفية. تعتبر حرب الثلاثين عامًا من اشهر الحروب الدينية(المقدسة) في أوروبا، والصراع الديني الأكثر تدميرًا بتاريخ القارة في منتصف الإمبراطورية الرومانية المقدسة، الحرب التي تسببت بإنخفاضٍ في عدد سكان الأراضي الألمانية بنسبة تتراوح بين ٢٠٪ و٤٠٪. لكنَّ أوربا تخلصت من حروبها تلك، أمّا في شرقنا العربي فلم نشهد نهايةً لأيِّ حرب دينية، طائفية، نعم هناك من الحكام من استطاع تأجيلها، أو إخفاءها لكنه لم يتمكن من وضع حدٍّ لنهايتها، هل نقول بأنَّ حربنا مع إسرائيل غير دينية؟ وهل نقول بأنَّ ما يحدث في سوريا والعراق وإيران ووو يقع خارجها، أبداً.











جميع التعليقات 1
امين عوض
منذ 5 شهور
مقال قيم للشاعر الاستاذ طالب عبد العزيز .. تحياتي