TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > دليل مبسّط لفكّ "أسرار" "التفاؤل والتشاؤم"

دليل مبسّط لفكّ "أسرار" "التفاؤل والتشاؤم"

نشر في: 21 يوليو, 2025: 12:01 ص

حازم صاغية

بعد سقوط نظام الأسد وقيام سلطة الشرع، طغى حديث التفاؤل والتشاؤم على السوريّين، لكنْ أيضاً، وإلى حدّ بعيد، على اللبنانيّين الذين شهدوا بدورهم تغيّراً في سلطتهم الحاكمة. والحقّ أنّ هذين المفهومين، التفاؤل والتشاؤم، ينطويان على جرعة كبيرة من الاعتباط والاختزال: فهما يوحيان أنّ مزاج شخص ما (وربّما خلفيّته النفسيّة) ينوب مناب التحليل الواقعيّ أو الموضوعيّ للوقائع والأحداث.
لكنْ جرياً على الشائع، وتيسيراً للمجادلة، ربّما جازتِ المغامرة برصد الأسباب التالية في تفسير ما نسمّيهِ تفاؤلاً وتشاؤماً، أقلّه في أحوالنا في سوريّا ولبنان وعموم المشرق:
1 - يركّز المتفائل على السلطة وما يقوله ويفعله السياسيّون، وما يقال أحياناً عبر التلفزيون، ويركّز المتشائم على العلاقات بين جماعات المجتمع والتي قد يكون المستتر فيها أكثر من الظاهر المعلن.
2 - يشدّد المتفائل على ما يجري في العواصم، وربّما المدن الكبرى أيضاً، أي على "الرأي العامّ"، بينما يشدّد المتشائم على أحوال الأرياف والأطراف، أي على الآراء شبه العامّة – شبه الخاصّة التي لا تُحسب غالباً في "الرأي العامّ".
3 - يعوّل المتفائل على الدعم الخارجيّ ويعتبره دعامة الاستقرار لنظام ما أو وضع ما، فيما يعوّل المتشائم على السلطة التي ستتلقّى هذا الدعم، وكيف ستتصرّف به، وفي أيّ مجرى من مجاري الاقتصاد القائم سوف يصبّ.
4 - يرفع معنويّاتِ المتفائل تدفّقُ السلع واستهلاك التقنيّات، وربّما انتعاش السياحة أيضاً. أمّا المتشائم الذي قد يغضّ النظر عن إنتاج السلع والتقنيّات، ممّا يعتبره مرآة تفوق الاستهلاك دقّةً، فإنّه لا يغضّ النظر عن التصوّر السائد في المجتمع عن السلع والتقنيّات وعن ثقافة استهلاكها.
5 - يعتبر المتفائل أنّ الممارسات والأفكار المتداولة (نظام القرابة، الإصلاح الدينيّ، حرّيّات المرأة، أوضاع الأقلّيّات...) ليست مهمّة، أو في أحسن أحوالها ثانويّة أو مؤجّلة إلى ما بعد إنجاز "المهمّات المُلحّة"، بينما يرى المتشائم أنّ تلك الممارسات والأفكار هي البيئة الأعرض التي تُقرّر فيها مصائر السياسة ومساراتها. وهي قد تكون فعلاً مؤجّلة، إلاّ أنّ التسلّح، منذ البداية، بأفكار حاسمة عنها ضمانةٌ لصالح السياسات النبيلة.
6 - لا يهتمّ المتفائل إلاّ لماماً بوجود نقاش عامّ في المجتمع. فالقوى السياسيّة الفاعلة، في رأيه، لا صلة لها بالنقاش وبحمولاته الفكريّة. أمّا المتشائم فيميل إلى أنّ وجود نقاش كهذا شرط لإطلاق الديناميّات التي تُحدث تغييراً فعليّاً يكون على درجة من الاستقرار والاستدامة، وهذا فضلاً عن اتّساع رقعة المشاركة الشعبيّة فيه. واستطراداً، يتّجه المتفائل بنظره إلى القوى التقليديّة وحدها. ودون أن يتجاهل تلك القوى، فالمتشائم يجد ما يعزّز تشاؤمَه في ضعف وجود مجتمع مدنيّ (روابط، هيئات، أحزاب، نقابات، أفكار...) قويٍّ ومتماسكٍ يُعَوّل عليه.
7 - يميل المتفائل المسكون بتوازن القوى اللحظيّ إلى تجاهل مسائل العدالة، إذ الأقوياء سيدبّرون الأمور على نحو أو آخر. أمّا المتشائم فيرى في تجاهل العدالة وإغلاق القضايا على زغل طريقاً إلى تضخّم المظلوميّات، وربّما النزعات الثأريّة، التي لا بدّ أن تنفجر، إن لم يكن غداً فبعده.
8 - يشعر المتشائم بذلّ عميق حين يشاهد إسرائيل تسيطر على أجواء المنطقة وتتحكّم بقرارها، ويؤلمه أنّ السياسات المعمول بها لا تعتمد إجراءات ومواقف تقطع الطريق على وضع كهذا. ويزيد تشاؤم المتشائم حين يتصرّف المتفائل كما لو أنّه لا يريد إلاّ هذا: إمّا لأنّه "يفضح" حجم عدوانيّة إسرائيل، أو لأنّه يشكّل فرصة للتحريض على مقاومتها.
9 - يتعاظم تشاؤم المتشائم وهو يرى أنّ الدول عندنا، وبنتيجة ضعف إجماعات المجتمع، لا تنهض، وربّما لن تنهض، وأنّها لن تستطيع فرض سيادتها وتثبيت حدودها في مواجهة الطوائف والعشائر والقبائل. أمّا المتفائل فقد يربط مثل تلك النشأة بوجود قبضة قويّة، طائفيّة أو إثنيّة، مدعومة من الخارج، وقد يشارك في محفل تمجيد الطوائف والعشائر و"أصالتها".
10 - يركّز المتشائم على أحوال المجتمعات والدول فيرى أنّها بائسة ومسدودة الآفاق في المستقبل، وهكذا يلحّ على ضرورة مراجعة الأسباب والجذور العميقة في تراكيبنا واجتماعنا وصِيَغ "تعايشنا" المتهالك، وتالياً إعادة النظر بها إذا تطلّبت الأمور ذلك. أمّا المتفائل فيحذّر من الذهاب بعيداً في المراجعة، واثقاً من أنّ الشعوب سترفض ذلك. فالخلاص عنده ممكن وسهل لأنّه يقتصر على تغيير حاكم أو تعديل دستور أو تحسين أداء إداريّ أو غير ذلك. وهكذا فالمتفائل متفائل بـ"الشعب"، ولو أنّه غالباً ما يتوهّم شعباً لا يطابق الشعب الفعليّ. أمّا المتشائم فقد يتشاءم بـ"الشعب" نفسه، بالفعليّ منه وبالمتوهّم.
لا يعني هذا أنّ المتشائم يطلب كلّ شيء كي يتفاءل: لكنّه يطلب بدايات أو إيحاءات لا يعثر إلاّ على عكسها. وأمّا المتفائل فما يطلبه سهل لأنّه ظاهر جدّاً على سطح الواقع، لكنّه لهذا السبب بالضبط نراه، أمام الانتكاسات، يغادر تفاؤله ويروح يتخبّط في التعاسة والشعور بالخيانة والخذلان.
· عن الشرق الاوسط

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram