المثنى / كريم ستار
تتداعى المعالم التراثية في قلب مدينة السماوة تحت وطأة الإهمال الشعبي والغياب الحكومي، فالشناشيل الخشبية المعلقة، والبيوت الطينية المتآكلة، باتت اليوم شاهدة على ماضٍ يختفي تدريجيًا، رغم أنها ليست مجرد أبنية قديمة، بل تمثل جزءًا أصيلًا من النسيج الاجتماعي والتاريخي للمدينة.
البيوت التراثية المنتشرة في أحياء مثل السوق الكبير وشارع القشلة وحي النهر، تعود في معظمها إلى أوائل القرن العشرين، وتتميز بطراز معماري بغدادي وشناشيل خشبية تمنحها إطلالة مميزة وخصوصية فريدة.
يقول المؤرخ المحلي محمد عبد الجليل إن السماوة كانت تُعرف في عشرينيات القرن الماضي بـ «المدينة الخشبية» لكثرة الشناشيل التي كانت تغطي منازل التجار والعوائل البارزة آنذاك، أما اليوم، فقد تُركت هذه البيوت للإندثار بفعل الإهمال وغياب الشعور العام بقيمتها التاريخية.
مشاريع تجارية تدمر التراث
في جولة لمراسل «المدى»، رُصد العديد من الشناشيل التي سقط بعضها بالفعل، بينما سُند البعض الآخر بأعمدة حديدية مؤقتة، في حين تناثرت بقاياها وسط الأزقة. بعض هذه البيوت كانت تُبنى من خشب الصاج، وتُزخرف بالنقوش، ما كان يُعد مصدر فخر لأهلها، كما يؤكد أبو قاسم، أحد سكان شارع النهر.
رغم تسجيل أكثر من 120 بيتًا أثريًا في مدينة السماوة، فإن عددًا كبيرًا منها أُزيل بسبب مشاريع توسعة الطرق أو بناء مجمعات تجارية، دون أي تنسيق مع دائرة الآثار، وفق ما يؤكده عمار الستار، الموظف السابق في الدائرة. ويضيف: «أغلب هذه البيوت مهجورة، وأصحابها لا يملكون القدرة المالية للترميم، والدولة لا تتدخل».
مبادرات متعثـرة
شهدت السنوات الماضية محاولات لتحويل بعض هذه البيوت إلى مراكز ثقافية أو مقاهٍ فنية، كما حدث في بغداد والبصرة، إلا أن معظم المبادرات توقفت في مراحلها الأولى بسبب غياب التمويل وتعقيد الإجراءات القانونية.
المهندس المعماري زيد علوان يرى أن بإمكان المدينة تحويل بعض هذه البيوت إلى متاحف للتراث السماوي أو مراكز فنية، لكنه يستدرك: «لا توجد خطة ولا إرادة حقيقية، الناس تهجر هذه المناطق بدلًا من زيارتها».
رغم التصدعات وهشاشة المباني، لا يزال بعض كبار السن يرفضون مغادرة هذه البيوت، ويعيشون فيها وسط ظروف متدهورة. تقول أم نجم، وهي تسكن بيتًا تراثيًا في حي القشلة: «كل شيء أعرفه مرتبط بهذا البيت، كلما أشاهد الجدار ينهار، أشعر أن عمري ينهار معه» تُعد السماوة واحدة من أبرز المدن الجنوبية التي لعبت دورًا ثقافيًا وتاريخيًا طويلًا، وبيوتها القديمة ليست مجرد أنقاض، بل تمثل الهوية المادية والإنسانية للمدينة.
غير أن استمرار الإهمال قد يحوّل هذه الشواهد المعمارية إلى صور قديمة معلقة على الجدران، بينما تنهار جدرانها الأصلية بصمت.










