ذي قار / حسين العامل
تحذر جهات رسمية ومنظمات مهنية من تدهور أوضاع بساتين النخيل في محافظة ذي قار، بسبب استمرار أعمال التجريف وتصاعد معدلات الجفاف واندلاع الحرائق. وتدعو هذه الجهات إلى وقف التجريف، وزيادة الإطلاقات المائية، وتعزيز تواجد فرق الإطفاء في المناطق الزراعية.
تجدد هذه التحذيرات مع اتساع رقعة الأراضي المجرفة المحاذية للمدن، وتكرار اندلاع الحرائق في بساتين تعاني من شح المياه. وأفاد شهود عيان، أمس الاثنين، بأن حريقًا كبيرًا اندلع ليلًا في أحد بساتين النخيل المهجورة بمنطقة البو عظم في ناحية الفضلية (20 كم جنوب الناصرية)، واستمر لساعات قبل أن تتمكن فرق الدفاع المدني والأهالي من السيطرة عليه.
وأوضح الشهود أن ألسنة اللهب كادت أن تمتد إلى مساكن القرى المجاورة بسبب كثافة النباتات الجافة، مؤكدين تضرر أعداد كبيرة من أشجار النخيل جراء الحريق.
النيران والنزاعات العشائرية
وقال سالم عجمي مغامس الإسماعيلي، نائب رئيس لجنة الزراعة والموارد المائية وإنعاش الأهوار في مجلس محافظة ذي قار، إن أسباب اندلاع الحرائق متعددة، مشيرًا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة والجفاف يسهمان في انتشارها، كما لم يستبعد أن تكون بعض هذه الحرائق ناتجة عن النزاعات العشائرية، إذ يعمد بعض المتخاصمين إلى حرق بساتين خصومهم.
وبيّن أن «الحرائق المتعمدة أكثر شيوعًا من الحرق الذاتي، وغالبًا ما تنتج عن فعل بشري، سواء كان متعمدًا أو غير مباشر، كإشعال نار أو رمي عقب سيجارة»، داعيًا إلى معالجة أزمة المياه والحد من النزاعات العشائرية، فضلًا عن إنشاء مراكز جديدة للدفاع المدني وتوفير سيارات إطفاء في جميع المناطق الزراعية.
وحول ظاهرة التجريف، أشار الإسماعيلي إلى أن من يقوم بها يرتكب جريمتين: واحدة اقتصادية تتمثل بهدر الموارد الطبيعية، وأخرى بيئية تسبب انحسار المساحات الخضراء والمصدات الطبيعية للعواصف، مطالبًا بتشديد العقوبات على المخالفين وتضمينهم قيمة الأضرار الناجمة.
تراجع اقتصادي واجتماعي
من جانبه، حذّر رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في ذي قار، حسين آل رباط الزيرجاوي، من مخاطر الجفاف على البساتين والأراضي الزراعية، مشيرًا إلى أن الفلاحين خسروا آلاف الأشجار من الأصناف الجيدة بسبب شح المياه، ما أدى إلى تيبس النخيل وموته.
وأوضح أن «النخلة تبدو وكأنها أُحرقت: سعفها متيبس، وثمارها ذابلة، وجذعها هش تتلاعب به الريح»، واصفًا الوضع بالكارثي، داعيًا إلى تدخل حكومي عاجل لإنقاذ البساتين من تداعيات الجفاف.
وبيّن الزيرجاوي أن مناطق الشفيجات، وآل أبو يوسف، وآل بو خضير، وآل أبو جمعة، وآل أبو حبيل، وخفاجة، والعبودة، والبساتين الواقعة على شطي الكسر وآل إبراهيم، فضلًا عن بساتين الغراف وسيد دخيل والإصلاح، جميعها تعرضت لأضرار جسيمة. ودعا الزيرجاوي الحكومتين المحلية والمركزية إلى تزويد هذه المناطق بالمياه، حتى وإن كانت من مياه المبازل المالحة، مشيرًا إلى أن أشجار النخيل قادرة على تحمل نسب معينة من الملوحة.
تحذيرات متكررة وإهمال مستمر
وكان اتحاد الجمعيات الفلاحية في ذي قار قد كشف، منتصف عام 2021، عن تجريف أكثر من 15% من مساحة البساتين البالغة 42 ألف دونم، محذرًا من فوضى التوسع العمراني وآثاره على البيئة والاقتصاد المحلي. كما نبّه الاتحاد ومهتمون بالشأن الزراعي، مطلع آب 2023، إلى تصاعد وتيرة الحرائق والجفاف والتجريف، ما ألحق خسائر كبيرة بالفلاحين بسبب تيبس النخيل وتلف الثمار.
وسبق أن حذّرت مديرية بيئة ذي قار، في أواخر عام 2012، من تفاقم ظاهرة التجريف ووصفتها بـ«الكارثة البيئية والاقتصادية»، داعية إلى تبني إجراءات تشجيعية لحماية النخيل. وفي الأول من آب 2017، حذّرت مديرية الزراعة من استفحال تجريف البساتين وتحويلها إلى أراضٍ سكنية، لا سيما في الناصرية، سوق الشيوخ، الفضلية، والعكيكة، مطالبة بتفعيل العقوبات بحق المخالفين وفق قانون حماية المنتوج الزراعي رقم 71 لسنة 1968.
وتأتي هذه التطورات في ظل أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد، تسببت في تقلص مساحات الأهوار والأراضي الزراعية في ذي قار، وأدت إلى موجة نزوح واسعة بين الفلاحين والصيادين ومربي المواشي، الذين يواجهون خطر فقدان مصدر رزقهم الوحيد.










