علي حسين
هل شاهدت مثلي مقطع فيديو وزيرة المالية البريطانية تبكي في البرلمان لشعورها بالإحراج من الوضع الاقتصادي الذي تمر فيه بلادها، سيقول البعض : يارجل نحن في بلاد الرافدين انشغلنا بضحكة " التكنوقراط " وزيرة المالية العراقية، داخل قبة البرلمان العراقي تقول للنواب : " ما بيه حيل أدافع "، ولأننا بلاد تعتبر الوزراء ثروة وطنية، فقد بادر النائب " المثابر " مصطفى سند مشكورا واخبر الوزيرة بانه موجود للدفاع عنها، مابين بكاء الوزيرة البريطانية راشيل ريفز التي اتهمها البرلمان بالتقصير، وضحكة الوزيرة العراقية طيف سامي التي اخبرتنا بكل اريحية ان الموازنة في خبر كان، تكمن مشكلتنا المستعصية، فنحن في بلاد يتحول فيها المسؤول الى كائن مقدس لا يمكن الاقتراب من قلعته الحصينة، تخيل عزيزي القارئ ان برلمان يعجز عن عقد جلسة لمناقشة فاجعة الكوت، هو نفس البرلمان الذي اطلق الهلاهل والاناشيد بعد اقرار قانون الاحوال الشخصية السيء الصيت والسمعة.
عندما شاهدت صورة الوزيرة البريطانية وهي تبكي، تصورت أنها متهمة بلفلفة عشرات الملايين من اموال الصحة كما فعلت وزيرة الصحة "المؤمنة" عديلة حمود، او ان هذه الوزيرة البريطانية سولت لها نفسها فحولت اموال الكهرباء الى حسابها الخاص مثلما فعل "المناضل" ايهم السامرائي، وقلت مع نفسي حتماً ارتكبت هذه السيدة معصية كبيرة عندما تركت عشرات الاطفال يموتون حرقا في مستشفى حكومي، وذهب خيالي بعيداً، وقلت بالتأكيد أن هذه السيدة شريك في صفقة هياكل المدارس الحديدية التي لم ترَ النور. ولكن حين قرأت الخبر أدركت أنني تجنيت على مسؤولينا كثيراً حين اتهمتهم بالفساد وسرقة المال العام والانتهازية والتزوير، فهذه "الانكليزية" ارتكبت جرماً أشد وأبشع من كل ما فعله جمال الكربولي وعائلته، فقد عجزت عن ترشيد الاستهلاك الحكومي في بلاد يعتقد المواطن المغلوب على أمره ان توزيع رواتب الموظفين والمتقاعدين يعد انجازا تاريخيا، وأن أبطال "التغيير" يصرون على جعلنا جزءاً من الأحداث على طريقة مسلسلات الواقع، وليذكروا الناس أن لا خيار أمامهم سوى التسمّر أمام شاشات التلفزيون، لمتابعة مقاطع كوميدية، وحوار لا يخلو من طائفية مقيتة.
في مرّات كثيرة تبدو الكتابة عن تجارب الشعوب، أهم وأنفع للقارئ من أخبار الاحزاب السياسية في العراق والتي تريد ان تدخل موسوعة "غينيس"، ولافتات العشائر التي لا تريد أن تغادر عصر الزعماء، ولهذا وجدت أن أخباراً مثيرة عن شعوب حية، أحرى بالكتابة.
يكتب الاكاديمي الاقتصادي عماد عبد اللطيف سالم "من السهلِ أن تضحكَ في العراق، إذا كنت وزيراً.. ومن السَهلِ عليكَ، إذا لم تكن وزيراً.. مواصلة البكاء".










