المدى / خاص
تشهد محافظة المثنى اتساعًا مقلقًا في ظاهرة التصحر، وسط غياب الحلول الحكومية وضعف التفاعل المجتمعي مع الأزمة. وتشير جولة ميدانية لـ«المدى» إلى تحوّل مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في مناطق الوركاء والسوير والرميثة إلى أراضٍ قاحلة، نتيجة الجفاف المستمر وتراجع منسوب المياه.
التصحر، الذي لم يعد ظاهرة موسمية كما في السابق، تفاقمه اليوم السياسات الزراعية المرتبكة، وقلة الدعم للفلاحين، وارتفاع درجات الحرارة، فضلًا عن انخفاض مياه دجلة والفرات.
يقول حسين عليوي، فلاح من منطقة السوير: «قبل عشر سنوات كنا نزرع القمح والشعير ونكفي أهلنا، أما اليوم فالأرض تحولت إلى تراب. لا ماء، ولا مطر، ولا أحد يهتم». وبحسب مديرية الزراعة في المثنى، فإن أكثر من 45% من الأراضي الزراعية خرجت من الخدمة خلال السنوات الخمس الماضية، في حين تشير تقارير بيئية محلية إلى أن الغطاء النباتي تقلص بنسبة 60%. وتشير التقديرات إلى أن نحو 2500 دونم من أراضي المحافظة تتعرض سنويًا لزحف التصحر.
الأثر البيئي والسكاني
يحذر المهندس الزراعي كاظم الزيادي من أن الوضع البيئي في المثنى هش للغاية، مشيرًا إلى اختفاء العديد من النباتات البرية وتراجع أعداد الطيور والحشرات المرتبطة بها، ما ينذر بخطر يهدد التنوع البيولوجي. ولا يقتصر التأثير على البيئة فحسب، بل يشمل السكان أيضًا. فقد أجبرت الظروف المناخية والاقتصادية القاسية عشرات العوائل على ترك قراها والتوجه إلى المدن أو المحافظات الجنوبية بحثًا عن مصادر رزق بديلة.
يقول أبو رضا، من سكان أطراف الرميثة: «الناس هجرت الزراعة، وصارت تشتغل بالعمل اليومي أو تهاجر للناصرية والبصرة. التصحر مو بس موت الأرض، هو تهجير غير معلن».
خطط حكومية محدودة ومقاربات ناقصة
رغم إعلان الحكومة المحلية عن مشاريع لمكافحة التصحر، كزراعة الأحزمة الخضراء والأشجار المقاومة للجفاف، إلا أن تنفيذ تلك الخطط ما يزال محدودًا. وقال مصدر في دائرة البيئة في المثنى، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن «المشاريع البيئية تُطرح سنويًا، لكن الموازنات المحدودة وسوء التنسيق الإداري يعطل تنفيذها». من جانبهم، يوصي خبراء بيئيون بمقاربات أوسع لمواجهة التصحر، تشمل إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، وتنظيم استخدام المياه الجوفية، ودعم مشاريع حصاد مياه الأمطار، وتعزيز ثقافة التشجير في المجتمع. وترى أمل جبار، ناشطة بيئية من المثنى، أن التصحر لم يعد مجرد تحدٍ زراعي، بل بات مسألة أمن قومي، مشيرة إلى أن «كل شجرة تُقتل في أرضنا هي فقد لذاكرتنا، للمستقبل، لهويتنا».
تهديد وجودي يتطلب تحركًا عاجلًا
وثّقت عدسة «المدى» خلال جولتها أراضي كانت تُزرع سابقًا بالحنطة والشعير، تحوّلت اليوم إلى أراضٍ مغطاة بطبقات كثيفة من الغبار. كما لاحظ الفريق غياب السدود الصغيرة والخزانات الترابية التي كانت تُستخدم سابقًا لحصاد مياه الأمطار.
في ظل استمرار التدهور البيئي، وتراجع النشاط الزراعي، وتفريغ القرى من سكانها، تبدو محافظة المثنى ماضية نحو مستقبل مجهول، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة وشاملة تشرك فيها الجهات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.










