عصام الياسري
النشاط الدعائي للانتخابات القادمة في العراق بدأته جميع القوى السياسية مبكرا ولا يخلو من المال والجدل والإغراء والوعيد، وكان عاشوراء حاضرا تستغله الأيديولوجيات الشعبوية لشراء الذمم بكل الوسائل.. في الثامن من ذي الحجة سنة 60 هجرية، خرج الحسين بن علي (ع) مع اتباعه وأنسابه من آل البيت من مكة متوجها إلى الكوفة ووصل إلى كربلاء في الثاني من محرم سنة 61 هجرية، حيث لقي حتفه في معركة كربلاء في العاشر من محرم. وذكرت مصادر تاريخية أن الحسين التقى في طريقه "الفرزدق" وسأله عن رأيه في أهل الكوفة. لكنه نصح الإمام الحسين بالعودة وعدم التوجه إلى الكوفة، حيث قال له: "قلوبهم معك وسيوفهم عليك" فاستصوب الحسين كلام الفرزدق، وأدرك أن الأمور ستجري وفق ما قدر الله.
وفيما كان الحسين سبيله إلى الكوفة بطلب من أهلها لمبايعته، ليقوم عهد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سيرة جده الرسول وأبيه علي، عليهما السلام، حتى يقضي الله بينه وبين قوم بالحق. كان يزيد يستعمل المال لشراء ذمم الكوفيين وإغرائهم بأن لا يحاربون مع الحسين. وأوكل مهمة توزيع المال وممارسة سياسة الترغيب والترهيب والتحذير من قطع حبل الطاعة لوالي البصرة عبيد الله بن زياد، متوعدا أهل الكوفة فيه بالسوط والسيف وسفك الدماء إذا ما بايعوا الحسين. بذلك، تكون حلقة القواعد التي ينبغي أن لا يخرج عنها أي طاغية قد أوصدت خواتمها.
اليوم ونحن قد تركنا وراءنا أكثر من عقدين على تغيير نظام البعث الديكتاتوري وتشكيل ثماني حكومات طائفية توافقية وست دورات انتخابية برلمانية لم تمض واحدة منها دون جدل. يشهد العراق أخطر استخداما للمال من قبل الأحزاب السياسية لشراء أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية القادمة. مما أدى إلى تشويه إرادة الشعب وفقدان الثقة بالعملية الانتخابية...
في كل دورة انتخابية برلمانية، تتكرر المشاهد ذاتها: مرشحون مدعومون بأموال طائلة، حملات انتخابية فخمة بلا مضمون سياسي، وناخبون يغرون بالمال أو الهدايا أو الوعود بوظائف مقابل التصويت. بعض الأحزاب السياسية التي تمتلك المال، حولت العملية الانتخابية إلى سوق سياسية فاسدة تباع فيها الأصوات وتشترى الذمم، في ظل غياب رقابة حقيقية وفعالة.
يؤكد مراقبون، أن ما يحصل لا يعد فقط انتهاكا صارخا للديمقراطية، بل يكرس نظاما سياسيا يقوم على الزبائنية والولاء المالي، لا على الكفاءة والتمثيل الشعبي. إذ تفرز الانتخابات في كثير من الأحيان ـ شخصيات لا تمثل مصالح الناخبين بقدر ما تمثل مصالح الجهات أو الأطراف التي مولت حملاتهم. ويرى البعض أن "المال السياسي في العراق أصبح أحد أعمدة اللعبة الانتخابية، حيث يستخدم لشراء النفوذ داخل المفوضية، لترتيب النتائج، وللتأثير على وعي الناخبين الذين يعيش كثير منهم في ظروف معيشية صعبة تجعلهم فريسة سهلة للمال الانتخابي".
من جهتها، فشلت الحكومات المتعاقبة في الحد من هذه الظاهرة، بسبب ضعف القانون، وتراخي المؤسسات الرقابية، وغياب الإرادة السياسية في ملاحقة المتورطين. وحتى عندما يتم فضح بعض حالات شراء الأصوات، غالبا ما تطوى الملفات دون محاسبة.
في هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات جدية في قانون الانتخابات والأحزاب، وتفعيل الدور الرقابي لمفوضية الانتخابات وتوسيع سلطات هيئة النزاهة والقضاء لملاحقة من يستخدم المال غير المشروع في التأثير على إرادة الناخبين.
ففي بلد مثل العراق، حيث الأزمات تتوالى والثقة بالمؤسسات تتراجع، فإن استمرار المال السياسي في الهيمنة على الانتخابات يعني المضي في دائرة مغلقة من الفساد والانقسام والفشل في بناء دولة عادلة تمثل جميع العراقيين. بل يقوض مفهوم المواطنة، ويحرم البلاد من برلمان حقيقي يمثل تطلعات الشعب. كما أنه يعمق أزمة الشرعية السياسية، حيث ينظر إلى نتائج الانتخابات على أنها مزورة بحكم المال لا بصناديق الاقتراع.










