محمد الربيعي
في خطوة حمقاء تعكس الانعزالية المتزايدة للسياسة الخارجية الامريكية تحت شعار "امريكا اولا"، اعلنت الولايات المتحدة انسحابها من منظمة اليونسكو، مدعية ان عضويتها لم تعد تخدم مصالحها الوطنية. هذا القرار ليس الاول من نوعه، بل هو جزء من نمط متكرر من الانسحابات والعودة الى المنظمة، مما يظهر عدم التزام واشنطن بالمؤسسات الدولية متعددة الاطراف.
هنا نسلط الضوء على تناقض السياسة الامريكية مع الشرعية الدولية، ونؤكد ان انسحاب واشنطن قرار قصير النظر يخدم اجندة سياسية ضيقة على حساب التعاون العالمي.
تاريخ من الانسحاب والعودة
تتسم العلاقة بين الولايات المتحدة واليونسكو بالتقلب، حيث شهدت انسحابات متكررة وعودة في مناسبات مختلفة. ففي عام 1984، خلال ادارة رونالد ريغان، انسحبت الولايات المتحدة من المنظمة بحجة سوء الادارة والانحياز السياسي، خاصة في القضايا المتعلقة بالشرق الاوسط. ثم عادت في عام 2003 تحت حكم جورج دبليو بوش بعد وعود باصلاحات داخلية، معترفة باهمية اليونسكو في دعم التعليم والثقافة. الا ان واشنطن علقت مساهماتها المالية في عام 2011 احتجاجا على منح العضوية الكاملة لفلسطين، وهو ما اعتبرته تحديا لسياستها الخارجية. وفي عام 2017، خلال عهد دونالد ترامب، اعلنت انسحابها مرة اخرى، متهمة اليونسكو بـ"التحيز ضد اسرائيل". وبينما بدات ادارة جو بايدن في عام 2023 مفاوضات للعودة الى المنظمة، الا ان الضغوط السياسية الداخلية حالت دون تحقيق ذلك، مما يعكس نمطا متكررا من التردد وعدم الالتزام الامريكي بالمشاركة الفاعلة في المنظمات الدولية. هذا التذبذب يعكس ضعف الاستراتيجية الامريكية تجاه المنظمات الدولية، حيث تستخدم العضوية كورقة ضغط سياسي بدلا من الالتزام بالتعاون العالمي.
رفض اهداف التنمية المستدامة والاعتراف بفلسطين
زعمت الادارة الامريكية ان انسحابها بسبب:
1. تركيز اليونسكو على اهداف التنمية المستدامة (SDGs)، والتي تعتبرها "اجندة عالمية غير متوافقة مع سياسة امريكا اولا".
2. قبول فلسطين كعضو كامل في 2011، مما اثار اعتراضات واشنطن واسرائيل.
لكن هذه الحجج تتعارض مع:
- الاجماع الدولي الذي يؤيد اجندة 2030 للتنمية المستدامة، خاصة في مجالات التعليم والمساواة ومكافحة الفقر.
- الشرعية الدولية، حيث صوتت 107 دول لصالح عضوية فلسطين، بينما عارضت 14 فقط.
اليونسكو ليست المشكلة.. السياسة الامريكية هي الازمة
المنظمة ليست معادية لامريكا، بل تروج لقيم عالمية تدعمها واشنطن رسميا في السابق:
- التربية: برامج محو الامية ودعم التعليم في الدول النامية.
- الثقافة: حماية التراث العالمي (مثل مواقع في العراق وسوريا المدمرة بسبب الحروب).
- العلم: تعزيز البحث العلمي ومكافحة التغير المناخي.
لكن الادارة الامريكية تفضل التخلي عن هذه الادوار لصالح سياسة انفرادية ترفض اي نقد لاسرائيل او اي التزام بالتعددية الدولية.
قرار يضعف امريكا ويعزز العزلة
الانسحاب الامريكي اعترافا بالفشل في التاثير على المنظمات الدولية. بدلا من الانسحاب، كان على واشنطن قيادة التغيير ان شائت من الداخل، لكنها اختارت الانعزال. العالم سيواصل دعم اليونسكو، بينما تفقد امريكا مصداقيتها كشريك عالمي.










