علي حسين
الموسيقي، الممثل، الشيوعي الذي ظل يحن للعدالة الاجتماعية، المتمرد الذي وجد في المسرح طريقا لنصرة الضعفاء وموقفاً صادقاً، ومنبرا نقديا، الفنان الذي لن يتكرر لأن فنه كان بأهمية وطنه ، الفنان الذي كان يحمسنا على حب الاوطان رغم الوجع والظلم ، يضحك فتوجعنا ضحكاته ، يغني فيفضح امراضنا واحوالنا وصمتنا .
زياد الرحباني الذي غادر عالمنا امس قبل أن يحتفل بعيد ميلاده السبعين، تاركا لنا مشروعا فكريا وموسيقيا متكاملاً، اراد من خلاله أن يقدم صرخة الطبقات المهمشة التي تتأرجح بين الأمل والخذلان، لم يُغن زياد من أجل المتعة بل لكي يرسم ملامح الناس المتعبة، بواقعية جريئة وجارحة، ستظل تذكرنا بأن تراثه الموسيقي والمسرحي سيبقى حاضراً في كل مواجهة مع الظلم والقبح والفقر والانتهازية وبيع الضمائر
عملاق في المسرح والموقف والاغنية ، لكنه عاش متواضعا ، لم يكن يسعى للنجومية والشهرة وعدسات المصورين ، ولهذا اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة الانتصار لقضايا المراة، وانها "يجب ألا تحشر نفسها في مهن الرجال" على حد قول " العلامة " محمود المشهداني، لكي أخصص هذه الزاوية لأيقونة من أيقونات زمننا المعاصر، فنان غنى ولحن وكتب للعدالة والعشق والهوى والأوطان.
لم يكن زياد الرحباني موسيقيا فقط، بل فنانا أدرك منذ أول مسرحية " بالنسبة لبكرا شو" أن الفن جزءا من نضال لا يموت، بل يستمر ليهز وجدان الناس ومشاعرهم. الفنان التي صدح صوته للحرية ومناصرة الضعفاء، هو نفسه الذي أطربنا بألحان "البوسطة" و"عودك رنان" و "سألوني الناس" و "كيفك انت ".
اختصر زياد الرحباني في ألحانه ومسرحياته واشعاره حقبة زمنية زاخرة بالاحداث والمواجهات والمواقف .
نشأ زياد الرحباني وهو يحمل مزيجاً من تراث عائلة الرحابنة، ورغم شهرة فيروز وعاصي ومنصور، إلا ان الفتى زياد قرر ان يشق له طريقا خاصا، كتب قصائد استثنائية، وقدم ألحانا متميزة مزجها بالموسيقى الحديثة ، وعروض مسرحية مشاكسة بإسلوب ساخر ومؤلم، ليتحول الى حالة فريدة في المشهد الثقافي العربي، وليترك علامة واضحة لا يستطيع أحد ان ينكر تميزها وجرأتها ومشاكستها للواقع وتمردها على كل ما يجري حولنا، حتى تحولت هذه الاعمال الى بصمة خاصة بجيل وجد نفسه في مواجهة الحروب والخذلان وبيع الضمائر.
لم يكن زياد الرحباني مجرد ملحن وممثل مسرحي، بل انسان صاحب موقف يودعنا وعيونه صوب بيروت مدينة الاحلام وقلعة الحروف .. بَحر وشمس وكتاب ومعارك فكرية .. بيروت الطائفة الواحدة الممتدة من جبران الى ابو ماضي ومي ونعيمة ومعلوف والريحاني وانسي وبعلبكي وعامل ومروة.
في آخر مقال ساخر له يكتب زياد رحباني هذه الجملة المؤثرة : "ليتهم يعرفون ان لحظة العمر الأخيره قد تنزل علينا تأخذنا ونحن نتخاصم".










