TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > زواج القاصرات في العراق.. تقاليد راسخة ومآسٍ متكررة

زواج القاصرات في العراق.. تقاليد راسخة ومآسٍ متكررة

نشر في: 27 يوليو, 2025: 12:10 ص

بغداد / كريم ستار
على الرغم من مظاهر الانفتاح الثقافي والتطور الاجتماعي التي يشهدها العراق في بعض مناطقه، ما تزال ظاهرة زواج القاصرات راسخة في عدد من المدن والأرياف، تنتقل من جيل إلى آخر كإرث اجتماعي لا يُرد.
ففي قرى محافظة المثنى الجنوبية، كما في أطراف بغداد ومدن مثل ديالى والنجف والبصرة، تُزف فتيات دون سن الخامسة عشرة إلى رجال يكبرونهن بسنوات طويلة، تحت ذرائع "الستر"، أو "الخلاص من الفقر"، أو الالتزام بـ"التقاليد العشائرية".
وتُخفي هذه الظاهرة، التي يبررها البعض باسم العادات، مآسي إنسانية ونفسية عميقة، وتُشكّل تهديدًا مباشرًا لمستقبل الفتيات، ولتماسك النسيج الاجتماعي العراقي.
طفلات في عالم النساء
في إحدى قرى قضاء الخضر بمحافظة المثنى، تجلس "نور"، وهي فتاة لم تتجاوز عامها الخامس عشر، تحتضن طفلها الأول، وتروي قصتها بصوت خافت: "كنت في الصف الثاني المتوسط، وأجبروني على الزواج. في البداية، كنت أبكي كل يوم. تركت المدرسة، ولم أكن أعلم شيئًا عن الحياة، وبعد بضعة أشهر، حملت. أصبحتُ أمًّا وأنا ما زلتُ طفلة".
وتُعد نور واحدة من عشرات الحالات التي وثّقها ناشطون في المحافظة، حيث ينتشر زواج القاصرات بشكل واسع، لاسيما في المناطق الريفية التي تعاني من الفقر والحرمان وغياب التعليم والتوعية.
وتقول أروى عبد الكريم، وهي موظفة في مديرية تربية المثنى: "في كل عام تصلنا استمارات انسحاب لطالبات أعمارهن بين 13 و15 عامًا. نعلم أن الزواج هو السبب، لكن لا توجد جهة تتدخل أو تمنع. أهل الفتاة يرون أن تعليمها غير ضروري إذا خُطبت".
ظاهرة تمتد
ولا تقتصر هذه الظاهرة على محافظة المثنى، بل تمتد لتشمل جميع أنحاء البلاد. وتشير بيانات المحاكم العراقية إلى أن زواج القاصرات يعد من أبرز أسباب الطلاق المبكر، إذ تُسجل آلاف حالات الطلاق سنويًا لفتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و18 عامًا.
وتقول الدكتورة نهلة نجاح، أستاذة علم الاجتماع وناشطة مدنية: "زواج القاصرات ليس مشكلة قروية فقط، بل حتى المدن الكبرى مثل بغداد تشهد تزايدًا في هذه الحالات. الفتاة تُجبر على الزواج، وتُحرم من طفولتها، وتعليمها، واستقرارها النفسي، وتُلقى في مسؤوليات تفوق قدراتها وسنها".
وتُحذر نجاح من أن الظاهرة تتفاقم في البيئات التي تعاني من الفقر والنزاعات والفوضى، حيث يُقنع الأهل بناتهم بأن الزواج قد يحسّن حياتهن، لكنه غالبًا ما ينتهي بالطلاق أو بمعاناة جسدية ونفسية طويلة الأمد.
قانون غائب عن التنفيذ
وعلى الرغم من أن القانون العراقي ينظم سن الزواج، إلا أن ضعف تطبيقه يسهم في استمرار الظاهرة. ويوضح الخبير القانوني علي التميمي أن المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية تشترط إتمام سن 18 عامًا لعقد الزواج، لكنها تسمح بالزواج لمن أتم 15 عامًا شرط موافقة المحكمة وولي الأمر.
ويضيف التميمي: "لا يجوز تسجيل زواج من هم دون 15 عامًا قانونيًا، ويُعد باطلًا. لكن ذلك لا يمنع من إتمام الزواج عرفيًا أو دينيًا خارج المحكمة، ما يخلق بيئة قانونية رمادية تُستغل في المناطق العشائرية والريفية لعقد زيجات مخالفة، تنتهي في كثير من الأحيان بمآسٍ يصعب احتواؤها".
وتقول بشرى العيسى، ناشطة في حقوق المرأة، عملت مع العديد من الحالات في المثنى وبغداد:
"الفتاة عندما تتزوج بهذا العمر تدخل عالمًا لا تفهمه. الكثيرات يتعرضن للعنف، أو للحمل والولادة المبكرة، وبعضهن يُصبن بانهيارات نفسية. فتيات في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة يطلبن الطلاق لأنهن غير مؤهلات، لا جسديًا ولا نفسيًا".
وتضيف العيسى أن هذه الحالات تتسبب بتسرب دراسي واسع، ووأد مبكر لأحلام الصغيرات، مشيرة إلى أن المجتمع ما زال يتعامل مع الظاهرة كأمر طبيعي، مما يستدعي حملات توعية شاملة في المدارس والمساجد والمراكز الصحية.
بين التقليد والدعوة للتغيير
وفي أحد أسواق مدينة السماوة، تنوعت آراء المواطنين حول الظاهرة.
يقول الحاج أبو كاظم: "تربينا على أن البنت تتزوج صغيرة. إذا بلغت، تتزوج وتنستر. هذا مو ظلم، هذا عرف".
في المقابل، ترى سعاد كريم، وهي معلمة متقاعدة من بغداد، أن "كفى ظلمًا للبنات باسم العادات. الفتاة يجب أن تُكمل تعليمها وتختار شريك حياتها بنفسها. لا بد من تغيير النظرة التي ترى في البنت عبئًا".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram