بغداد / كريم ستار
رغم أن المسافة بين مناطق العاصمة العراقية لا تتعدى بضعة كيلومترات، إلا أن الفجوة الطبقية بين أحيائها تُظهر مشهدًا اقتصاديًا واجتماعيًا منقسمًا، يضع الأغنياء والفقراء في عالمين منفصلين. ففي الكرادة والمنصور، تتلألأ واجهات المولات وتضج المقاهي بالحركة، بينما تغرق مناطق مثل مدينة الصدر، والشعلة، والنهروان في فقر مدقع وبُنى تحتية متهالكة.
في الكرادة، أحد أبرز أحياء بغداد الراقية، تصطف المحال الفاخرة والمولات الحديثة التي تعرض الماركات العالمية، وسط استقرار نسبي بالخدمات. يقول محمد علاء، موظف في شركة اتصالات، أثناء تسوقه في أحد المراكز التجارية: «الكرادة فيها كل شيء من مطاعم نظيفة، أمن، كهرباء شبه مستقرة، وحتى أسعار العقارات مرتفعة جدًا. تشعر أنك في مدينة أخرى، مو مثل باقي بغداد».
في المقابل، يُظهر المشهد في النهروان صورة مختلفة تمامًا. شوارع مليئة بالحفر والمياه الآسنة، ومنازل مبنية من الطين والصفيح، وانعدام شبه تام للخدمات الأساسية. يقول أبو كرار، أحد سكان المنطقة: «نحس وكأننا مو جزء من بغداد. لا شوارع، لا مجاري، حتى الكهرباء تيجي ساعة وتغيب خمس. الدولة نسيتنا، والناس تعبانة».
في منطقة المنصور، يشهد مول «المنصور» ازدحامًا لافتًا، وتُقدَّم المشروبات بأسعار تفوق الحد الأدنى لأجور كثير من العمال. في المقابل، يعيش سكان حي الزعفرانية أوضاعًا معيشية صعبة، لا تسمح لهم بتوفير أساسيات الحياة. تقول سندس عادل، خريجة جامعية من الزعفرانية، تعمل بأجر يومي لا يتجاوز 15 ألف دينار: «كل يوم أعبر جسر الجادرية، أشوف الفرق بعيني. هناك عالم ثاني، ملابس فخمة، سيارات حديثة، ومولات. أما هنا، نشتري الخضار بالتقسيط».
رحلة ميدانية بالكاميرا بين حي المنصور ومدينة الصدر كشفت عن تباين حاد؛ من محلات مكيفة وشوارع نظيفة، إلى أحياء تعاني من البطالة وسوء البنية التحتية. في حي الشعلة، يصف الحاج أبو حسين الواقع قائلاً: «حتى عيادة طبية محترمة ما عدنا، نركض للمستشفيات القديمة، كلها مزدحمة، وناس تموت من الإهمال».
يرى المختص في النمو الحضري، محمد أيوب، أن هذا التفاوت يمثل خطراً متصاعدًا على النسيج المجتمعي. ويقول: «ما نراه هو نتيجة تراكمية لسنوات من غياب التخطيط والتنمية العادلة. هناك تمركز واضح للثروة والخدمات في مناطق معينة، بينما تُترك الأطراف والمناطق الشعبية للمجهول». ويؤكد أن غياب المعالجات قد يؤدي إلى انقسام مجتمعي خطير، داعيًا إلى خطة شاملة لمعالجة الفقر وتحسين البنية التحتية.
في منطقة الحسينية، تقول أم مصطفى، أرملة تعيش مع أطفالها في منزل صغير: «نشتري ماء الشرب، وما عدنا مجاري. نسمع بالتلفزيون عن مولات وأسواق فخمة، بس ما شفناها بحياتنا. هذا حظنا، نولد فقرة ونموت فقرة».
أما منتظر، شاب من حي الحرية، فيؤكد أن المطالب بسيطة: «ما نطلب مستحيل.. نريد شوارع نظيفة، مدارس جيدة، فرصة عمل. بس ماكو غير الوعود الفارغة».
تتعايش في بغداد المولات الفخمة والرفاهية الباذخة في أحياء محددة، مع بؤس وحرمان يخيّم على الغالبية. هذا التفاوت لم يعد مجرد ظاهرة اقتصادية، بل بات دليلاً على ضعف العدالة الاجتماعية وتراجع قدرة الدولة على تحقيق التوازن بين مواطنيها.










