المثنى / كريم ستار
في محافظة المثنى، حيث تمتد الصحراء وتغيب الخدمات الحديثة، تخوض النساء الريفيات معركة يومية ضد الفقر والعزلة والظروف المناخية القاسية. في قرى مثل قضاء السلمان وناحية بصية، تعاني النساء من غياب الكهرباء المستقرة وتهالك الطرق، ما يضاعف من أعبائهن اليومية.
تقول «أم حسين»، وهي إحدى المزارعات: «الرجال يذهبون إلى المدينة للعمل، أما نحن فنحرث الأرض ونرعى المواشي تحت الشمس والرياح. لو توقفنا عن العمل ليوم واحد، لن نجد ما نأكله». وتضيف: «ربما لم نذهب إلى المدارس، لكننا نعرف كيف نصنع الحياة من لا شيء».
تعتمد أغلب النساء العاملات في الزراعة على نظام تقاسم الإنتاج داخل الأسرة، دون أجور محددة أو حماية قانونية. تشمل المهام اليومية جلب الماء من الآبار، إزالة الأعشاب، قطف المحاصيل، ورعاية المواشي في درجات حرارة تتجاوز الخمسين مئوية.
تشير الباحثة الاجتماعية في جامعة المثنى، سهاد كاظم، إلى أن النساء في هذه المناطق يتحملن عبئًا مضاعفًا، إذ يعملن في الحقول إلى جانب قيامهن بالمهام المنزلية، من دون ضمانات صحية أو اجتماعية. وتوضح أن كثيرًا منهن يعانين من أمراض مزمنة ناتجة عن العمل المجهد والتعرض المستمر لأشعة الشمس، دون أي تدخل مؤسسي لتوفير الرعاية أو التعويض.
في قرية الوركاء، تعمل نساء على إنتاج الحرف اليدوية من البيئة المحلية. تقول «أم علي»، وهي أرملة وأم لأربعة أطفال: «بدأت بصناعة الحُصر من سعف النخيل لأبيعها في السوق. تعلمت ذلك من أمي، وهو مصدر رزقنا الوحيد اليوم. لا كهرباء لدينا ولا إنترنت، لكن أيدينا تعرف كيف تعمل».
وتضيف: «تأتي منظمات لتصويرنا وإعداد تقارير ثم تختفي. نحن لا نحتاج إلى صور بل إلى دعم وتسويق دائم».
ورغم تراجع الحرف اليدوية في العراق، لا تزال نساء المثنى يتمسكن بها كوسيلة للبقاء، في ظل غياب الدعم الحكومي واستمرار ضعف برامج التمكين الاقتصادي الموجهة للريف.
تواجه نساء المثنى عراقيل اجتماعية حادة، تتمثل في الأعراف والتقاليد التي تقيد حرية المرأة وتمنع كثيرًا منهن من العمل أو الظهور في المجال العام. وتقول الناشطة المدنية مها الزيادي إن النساء في الريف يعشن قهرًا مزدوجًا: الأول ناتج عن الفقر، والثاني عن القيود القبلية. وتوضح أن بعض الفتيات في سن 12 عامًا يُجبرن على العمل في المزارع أو غزل الصوف دون أي فرصة للالتحاق بالتعليم.
تشير الزيادي إلى أن المؤسسات الرسمية تغيب تمامًا عن مشهد دعم المرأة الريفية، فيما تقتصر مبادرات المنظمات غير الحكومية على زيارات متقطعة لا تترك أثرًا ملموسًا. كما أن برامج القروض الصغيرة أو تسويق المنتجات الحرفية لا تصل إلى هذه المناطق.
ويؤكد الباحث في التنمية المحلية، محمود عبد الرضا، أن الحديث عن تمكين المرأة لا ينبغي أن يُختزل في المدن، مشيرًا إلى أن نساء صحراء المثنى يشكّلن خط الدفاع الأول ضد الفقر والتهميش، ويجب أن تكون لهن أولوية في السياسات التنموية.
ورغم غيابهن عن الإعلام ومواقع التواصل، تؤدي نساء المثنى دورًا حاسمًا في الحفاظ على استقرار الحياة في الريف. هنّ،«الحلقة الأضعف التي لا يلتفت إليها أحد، لكنها الأقوى في البقاء».
ويحذر مختصون من أن استمرار تجاهل احتياجات هذه الشريحة سيؤدي إلى فقدان طاقات بشرية مهمة، وإضعاف قدرة المجتمعات الريفية على الصمود في وجه الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية.










