TOP

جريدة المدى > عام > قصائد بصوت الشاعر العراقي الكبير رشدي العامل

قصائد بصوت الشاعر العراقي الكبير رشدي العامل

نشر في: 30 يوليو, 2025: 12:02 ص

قاسم علي خضر
" لا ترحل ياولدي
ان شراع الغربة اسود من وجه الجلادين!"
هكذا بوجع خاطب الشاعر العراقي الكبير رشدي العامل ابنه "علي"، يوم ضاقت بأبنه سبل العيش الكريم في عراقه الحبيب.. وانفلتت ذئاب الدكتاتورية الصدامية من عقالها لتستبيح كل المدن والقرى الآمنة اواخر سبعينات القرن الفائت. لم يبق امام القوى الوطنية والديمقراطية، وشبيبتها التواقة للحياة الحرة الكريمة، سوى اللجوء الى المعارضة السرية تحت الارض، او مغادرة البلاد هرباً من بطش جلاوزة النظام البعثي المقيت، حفاظاً على حياتهم، وبحثاً عن واحات للأمن والطمأنينة.
فيما غادرنا، ونحن من بعدهم لاحقاً، رفاق واصدقاء كثيرون الى منافي الدنيا، لجأنا نحن الشبيبة الديمقراطية الى العمل السري التام، بانتظار ما يردنا من رفاق الجبل* من توجيهات ومنشورات تحرض على انهاء الحكم الدكتاتوري. كنا نعيد طباعتها يدوياً او تكثيرها، من خلال اجهزة الاستنساخ المتوفرة في دوائر الدولة حصراً، عن طريق العاملين في هذه الدوائر من رفاق واصدقاء مقربين منا جداً.
لم ينقطع تواصلي مع شاعرنا الكبير رشدي العامل (ابو علي)، اذ كنت احرص على زيارته كل ما اتيحت الفرصة المناسبة لكلينا، او اتصل به هاتفياً كل اسبوع من بيوت مختلفة، تجنباً للرقابة المفترضة والمفروضة عليه. وكنت كثير التذمر من تدهور الاوضاع، واشكو له همومي ومعاناتي من كآبة الحياة، طالباً منه توضيحاً من خبرته الحياتية والسياسية متى ينتهي هذا التأزم؟ فيجيبني بضحكته الهادئة والمميزة:
"قسومي
لاتقل للارض جئناكِ
انما المطرُ الشتويُ يسبُقنا"
ذات يوم تأخرت حتى الليل في حي (القادسية)*، الذي يسكن فيه (ابو علي)، قررت زيارته والمبيت عنده حتى الصباح. طرقت الباب بهدوء، فجاءت امه الحنون، يغطيها البياض، كأنها ملاك سماوي، عرفت مبتغاي ودلتني الى الممر المؤدي الى غرفته. استقبلني بضحكته المحببة والمعهودة، ممدد على فراشه الارضي، وفوق راسه على الجدار قصاصة ورق مكتوب عليها بخط اليد قصيدة شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري "مرحباً يا ايها الارق"، كانت منطلقاً لحوار دار بيننا حتى صباح اليوم التالي، عن الارق واسبابه الكثر في ذلك الزمن الاسود، وحديثه عن قصائده الجديدة في ديوان "حديقة علي"، الداعية الى التمسك بالوطن والقيم الانسانية النبيلة ونبذ القبح المستشري، سجلنا بعضه على شريط كاسيت عن طريق جهاز التسجيل المتوفر لديه. بقي معي هذا الشريط وشريط آخر كان قد سجله (ابو علي) قبل مجيئي اليه. غير ان الشريط الاول (الحوار...) دفنته في تجاويف احد جدران بيت كنا نستأجره في قطاع (18) بحي الاكراد في مدينة (الثورة / الصدر لاحقاً)، تحسباً من هجوم تفتيشي متوقع، وبقي هناك؟! اما الشريط الثاني فقد بقي امانة لدى اخي (باسم)، منذ مغادرتي العراق بتاريخ يوم الثاني عشر من شهر آب عام 1980 ولغاية عودتي بعد سقوط النظام البعثي المقيت في عام 2003.
رافقني الشريط رحلتي في الغربة طيلة هذه السنوات المضافة الى سنوات مرت على تسجيله، لتبلغ هذا العام (45) سنة! تغيرت فيها احوال الدنيا، وشهد العالم ثورة في عالم التكنولوجيا والتقنيات، وغدا الشريط جزء من تراث تقنيات الارشفة التاريخية، اضافة الى كونه "كنز ادبي" لما يحتويه من قصائد بالصوت الحي لشاعرنا الفقيد رشدي العامل. اضطر الامر ان ينقل الى تقنية حفظ جديدة (قرص مدمج) كخطوة اولى، ومن ثم يمكن حفظه في ذاكرة الكترونية.. اتفقنا (علي وانا) ان اسلمه الشريط ليتم معالجته تقنياً باعادة تسجيله على قرص مدمج، لنتمكن من اكثاره وتوزيعه على الجهات الثقافية ذات العلاقة وعلى محبي الشاعر. وهذا ما حصل حين التقينا في مقهى "قهوة وكتاب" خلال زيارتي الاخيرة الى بغداد في نيسان من العم الجاري/ 2025، أملاً ان نحتفي بفقيدنا الكبير رشدي العامل شاعراً وصحفياً ومناضلاً كرس حياته من اجل حرية الانسان وسعادته في وطن يرفل بالسلام والطمأنينة.
* رفاق الجبل: تعبير يقصد به الثوار الذين لجأوا الى جبال كوردستان العراق حفاظاً على حياتهم، ومن ثم شكلوا فصائل الانصار المسلحة دفاعاً عن النفس، ولاحقاً طالبوا باسقاط سلطة الحرب والدكتاتورية طيلة فترة الثمانينات. وبقوا في الجبال حتى اندلاع انتفاضة 1991 وتحرير المدن الكوردستانية من قبضة سلطة البعث الفاشي، ليعودوا يمارسون نشاطهم شبه العلني في محافظات اربيل ودهوك والسليمانية..
* احد احياء العاصمة بغداد في جانب الكرخ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram