بغداد / محمد العبيدي
يعاني المواطنون في مناطق جنوبي بغداد من صعوبات متزايدة في بناء منازلهم على أراضٍ زراعية، وسط اتهامات لعناصر أمنية و"وسطاء محليين" بفرض رسوم غير رسمية مقابل السماح بإدخال مواد البناء أو عدم التعرّض للعمال.
وتتركز هذه الظاهرة، بحسب شهادات محلية، في أحياء البوعيثة، وعرب جبور، وهور رجب، وأبو دشير، ومحيط اليوسفية، حيث تنتشر مفارز أمنية تؤدي مهام الحماية، لكن يُنظر إليها من قبل السكان كجهات رقابية تتابع عمليات البناء وتمنع استئنافها إلا بعد "التفاهم".
ورغم عدم وجود تعليمات واضحة أو قرارات معلنة تسمح بفرض رسوم على البناء، إلا أن روايات الأهالي تتحدث عن "تفاهمات ميدانية" تُفرض كأمر واقع، حتى في الحالات التي يمتلك فيها المواطنون أوراق ملكية أو عقود شراء قانونية.
ويؤكد عدد من السكان أن تسعيرة البناء غير الرسمي تصل في بعض الحالات إلى ثلاثة ملايين دينار لكل 100 متر مربع، تُدفع على مراحل، إما مباشرة لبعض العناصر الأمنية، أو عبر وسطاء معروفين في المنطقة، وغالبًا ما يُشار إليهم من قِبَل المكاتب العقارية أو جيران سابقين.
ويقول شهود عيان إن المفارز الأمنية تحضر عادة بعد إدخال أولى مواد البناء، ولا تُبدي اهتمامًا بوثائق الطابو أو الإجازات الرسمية، بل تسأل عن "الجهة" التي سمحت بالبناء، وهو ما يربط الظاهرة بتفاهمات غير رسمية قد تكون جارية على الأرض.
غياب التخطيط العمراني
بدوره، قال الشيخ ياسر الفياض، ممثل شيوخ عشائر جنوبي بغداد، إن "أغلب المناطق الزراعية في جنوب العاصمة تعاني من غياب التخطيط العمراني، ما دفع الأهالي إلى البناء بطريقة عشوائية لتأمين مساكن لأسرهم".
وأوضح الفياض في تصريح صحفي، أن "هذا الواقع المعقّد خلق مساحات رمادية، استغلّتها أطراف محلية لفرض ما يُشبه الإتاوات، لكن لا يمكن تعميم الاتهام، فبعض القضايا مرتبطة بتحقيق أمني أو إجراءات احترازية بسبب طبيعة المنطقة".
وأضاف أن "أبناء العشائر ليسوا ضد القانون، لكن المطلوب هو تنظيم الملف ضمن رؤية واضحة تحترم حاجة الناس إلى السكن، وتمنع في الوقت نفسه أي استغلال أو ابتزاز غير قانوني".
وفي محاولة لاحتواء الغضب الشعبي، عُقد مؤخرًا اجتماع موسّع في منطقة البوعيثة حضرته شخصيات عشائرية ونيابية، إلى جانب ممثلين من وزارة الداخلية، لمناقشة أزمة الموافقات وتأخر المعاملات.
وقال مواطنون ونشطاء إن اللقاء أسفر عن خطوات ميدانية، أبرزها رفع كتب رسمية إلى الجهات البلدية المعنية، والضغط على مدير بلدية الدورة لإكمال معاملات البناء المتأخرة، وسط تعهّد من الوجهاء بمتابعة الملف ورصد أي تلكؤ في الاستجابة.
بدوره، قال الشيخ حسن سلمان الجبوري، أحد وجهاء منطقة عرب جبور، إن "الواقع الذي نعيشه اليوم لا يمكن السكوت عليه، فمئات العائلات تبحث عن مأوى كريم، وتقف عاجزة أمام تعقيدات إدارية وأبواب مغلقة، تُفتح فقط لمن يملك الوساطة أو المال".
وأضاف لـ(المدى)، أن "الاجتماع الأخير كشف بوضوح مواطن الخلل، ووضع الجهات المسؤولة أمام مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، ولن نقبل بعد اليوم أن يُعامَل المواطن كمتجاوز أو مستجدّ في أرضه، وسنواصل المتابعة حتى يتم إنصاف الأهالي وإنهاء مظاهر الابتزاز والتلاعب".
لا موقف رسمي
ولم تصدر وزارة الداخلية أو أمانة بغداد، أو مديرية بلدية الدورة، أي موقف رسمي واضح بشأن الشكاوى، رغم استمرار تداول المنشورات والتسجيلات المصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي توثّق حالات يُقال إنها وقعت بالفعل.
ورغم نفي بعض الجهات وجود أي تعليمات لفرض رسوم، إلا أن غياب التحقيقات المُعلنة أو المحاسبة يزيد من التوتر هناك، خصوصًا مع تكرار التجاوزات وتوسّع البناء العشوائي بشكل يومي في مناطق جنوب العاصمة.
من جهته، قال المواطن علي الشمري، أحد سكان منطقة هور رجب: "حاولنا طيلة أشهر إنجاز معاملة البناء دون جدوى، رغم امتلاكي سندًا قانونيًا للأرض، لكن دون جدوى".
وأضاف في حديثه لـ(المدى)، أن "كل الأبواب أُوصدت في وجهي، وحين قررت الشروع بالبناء، فوجئت بدورية أمنية تحضر إلى الموقع خلال ساعة واحدة فقط، دون أن تستفسر عن الأوراق الرسمية، حيث تم اعتقال العمال، ليطلق سراحهم لاحقاً".