السماوة / كريم ستار
في عمق قرى محافظة المثنى، تتحول المدرسة إلى حلم بعيد المنال لأطفال يعيشون وسط نقص حاد في أبسط مقومات التعليم. من السلمان إلى النجمي والرميثة والوركاء، يواجه التلاميذ مدارس لا تتجاوز صفوفها الخامس الابتدائي، ومبانٍ كرفانية متهالكة، وصفوف مكتظة تتناوب فيها الحصص في دوام ثلاثي مرهق. ويقطع العديد منهم مسافات طويلة سيرًا على الأقدام للوصول إلى مدارس تخلو أحيانًا من المدرّسين أو حتى المقاعد.
يقول علي غازي من قرى الرميثة إن أبناءه يقطعون أربعة كيلومترات يوميًا على طرق غير معبدة للوصول إلى مدرسة يدرّس فيها المدير الصف الأول، فيما يفتقر الصف الرابع لمدرّس. ويضيف: «لا يوجد صف سادس، ونضطر لإرسال أولادنا إلى مناطق بعيدة أو ندفع مبالغ لا نملكها». أما الطالب محمد رحيم من قرية قرب السلمان، فيروي معاناته اليومية مع الزحام وغياب المعلمين: «أحلم بمدرسة فيها مقاعد ومراوح وسبورة نظيفة مثل اللي نشوفها بالتلفزيون».
وتتحدث الطالبة زهراء أحمد من قضاء الوركاء عن غياب أبسط الخدمات: «ما عدنا غير شباك واحد، وماكو تبريد، والحر شديد، ولا مكتبة ولا ملعب. أغلب صديقاتي تركن المدرسة لأن أهلهم ما يقدرون ينقلوهم حتى يكملن السادس».
نقص الأبنية والكوادر وتجاهل للقرى
يوضح مدير التخطيط في محافظة المثنى، قابل حمود، أن التعليم في المحافظة يعاني من نقص حاد في الأبنية، وتهالك القائم منها، وانعدام الخدمات الأساسية، مشيرًا إلى الحاجة لأكثر من 300 مدرسة جديدة لحل مشكلات الازدواج والاكتظاظ، حيث يضم بعض الصفوف أكثر من 60 تلميذًا.
المعلمة نوال عبد تؤكد أن بعض المدارس تفتقر إلى مدرسين للرياضيات واللغة الإنكليزية، ويجري الاعتماد على طلاب المرحلة الإعدادية لتعليم التلاميذ. أما المدرّس أحمد شعلان من بادية المثنى، فيشير إلى غياب المختبرات والأجهزة والسبورات الحديثة، وتأخر توزيع الكتب حتى منتصف العام الدراسي.
ويصف المراقب المحلي حيدر العوادي وضع التعليم في القرى بأنه «كارثي»، قائلاً إن بعض المدارس تفتقر للوحدات الصحية والمياه والنوافذ وحتى الجدران، بينما تتعثر مشاريع البناء نتيجة مشاكل تمويلية وإدارية.
ويحذر العوادي من تهميش ذوي الاحتياجات الخاصة، لافتًا إلى غياب المدارس المؤهلة والكادر المتخصص، ما يعد انتهاكًا لحقوق هذه الفئة.
يطرح مدير التخطيط سلسلة حلول لتجاوز الأزمة، منها تحديث النظام الإداري، وتأهيل الكوادر، وإطلاق صيانة دورية، وتحسين الخدمات والنظافة، وتبسيط الإجراءات، مع إشراك القطاع الخاص، وتفعيل الدعم النفسي والاجتماعي للحد من التسرب. لكن جميع هذه المقترحات ما تزال حبرًا على ورق، وسط غياب خطة وطنية شاملة.
في المثنى، لا يبدو التعليم أولوية. وبين المدارس المتداعية والأمل الغائب، ينتظر آلاف الأطفال مستقبلًا يصعب الوصول إليه. ويبقى السؤال: متى تتحرك الدولة لإنقاذ أضعف حلقات التعليم في العراق؟










