TOP

جريدة المدى > سينما > في فيلم (حادث البيانو).. ثقافة الفراغ وعبثية وسائل التواصل الاجتماعي

في فيلم (حادث البيانو).. ثقافة الفراغ وعبثية وسائل التواصل الاجتماعي

نشر في: 31 يوليو, 2025: 12:01 ص

ترجمة: عدوية الهلالي
في فيلمها الجديد (حادث البيانو) تعود أديل إكزاركوبولوس إلى أعمال كوينتين دوبيو في فيلم كوميديا ​​ورعب فرنسي يتناول عبثية وسائل التواصل الاجتماعي.ويُقدم المخرج فيلمه الروائي الرابع عشر، جامعًا بين الكوميديا ​​الساخرة والرعب والدموية، ليُقدم رؤيةً مُرّة لمجتمع الصورة النمطية.فبعد فيلم "الفصل الثاني"، الذي يتناول السينما والممثلين، يتناول كوينتين دوبيو هذه المرة مجتمع الصورة النمطية وتجاوزاته منذ ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.وينتهز المخرج هذه الفرصة لإضافة المزيد من العمق إلى القصة من خلال التعامل مع الصحفيين، عبر شخصية تتعرض للضرب، تؤدي دورها ساندرين كيبرلين.
بدأ عرض فيلم "حادث البيانو" في دور العرض مع مطلع شهر تموز، ويبدأ الفيلم بلقطة رائعة لبيانو كبير معلق في الهواء، تنتهي بسقوطه مدويًا. وترافق نغمات البيانو، التي تُعزف كإيقاع حزين، باستمرار تطور هذه القصة المرعب. ويُعطينا هذا المشهد الأول انطباعًا، لبضع لحظات، بأن ماغالي (أديل إكزاركوبولوس)، التي نكتشفها بعد هذا المشهد الافتتاحي وذراعها في جبيرة، عازفة بيانو ماهرة،لكن بطلة الفيلم ماغالي نجمة ويب منحرفة، تجني ثروة طائلة من نشر محتوى صادم على مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد تعرضها لحادث خطير في موقع تصوير أحد فيديوهاتها، تعزل نفسها في الجبال مع باتريك (جيروم كوماندور)، مساعدها الشخصي المخلص الذي يلبي جميع رغباتها، لأخذ استراحة. بينما تبدأ صحفية تمتلك معلومات حساسة بابتزازها فتنقلب حياتها رأسًا على عقب.
سنفهم إذن أن "ماغالوش" ليست فنانة، بل مؤثرة، فهي نجمة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، اكتسبت شهرة واسعة منذ مراهقتها، بفضل نشرها مقاطع فيديو ساخرة تُصوّر فيها نفسها. وتُعاني ماغالي من متلازمة تُمكّنها من إنتاج محتوى جذاب، يُدرّ عليها دخلًا كبيرًا.
وباستثناء اثنين من المعجبين المتشبثين بها في القرية، يؤدي دورأحدهما كريم ليكلو، يسير اعتزال اليوتيوبر بسلاسة نسبية حتى اليوم الذي تتصل فيه الصحفية سيمون هيرزوج (ساندرين كيبرلين) بباتريك لطلب مقابلة مقابل صمته. الصحفية على دراية كبيرة بـ"حادث البيانو" لدرجة أن نجمة الإنترنت لا تستطيع رفض ما كانت تتجنبه دائمًا حتى ذلك الحين: الإجابة على أسئلة الصحفيين. ويتم الترتيب للقاء في صالة رياضية، حيث تجد المرأتان نفسيهما في مواجهة دامية. هل ستنجح سيمون في كشف الأسرار الخفية وراء ابتسامة ماغالي البراقة؟
يعود كوينتين دوبيو بفيلم رعب هزلي تتحول فيه أديل إكزاركوبولوس إلى فتاة مراهقة، غاضبة باستمرار، بشعر قصير أشعث وتقويم أسنان، وشخصية غريبة. وتعكس عباراتها وإيماءاتها وضحكاتها المصطنعة دورها المساعد في فيلم "مانديبل"، وهو فيلم سابق للمخرج، حيث تُشكل ثنائيًا كوميديًا مع كوماندور، الذي يلعب دور مساعد فنيّ لهذه النجمة المثيرة للاشمئزاز برصانة.
وكما هو الحال غالبًا في أعماله الغزيرة –وفي "حادث البيانو" و هو فيلمه الرابع عشر في مسيرته المهنية التي استمرت ثمانية عشر عامًا - يُخفي كوينتين دوبيو وراء هذه الكوميديا ​​الجديدة جميع أنواع التأملات اللاذعة في المجتمع مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والشهرة، وقلة الإحساس التي استحوذت على البشر من خلال التناول المستمر لسيل من الصور العنيفة التي تُبث على وسائل التواصل الاجتماعي.مع المنطق المالي الكامن والدوافع التجارية التي تُغذي الآلة.
ونرى في الفيلم أسلوب المخرج المميز. هذا المزيج من العبثية والكوميديا ​​المتكررة والحوار المُتقن، الذي يبدو أشبه بضربات قاضية حيث يعود كوينتين دوبيو هنا إلى مزيج أفلام الرعب، الذي يمزجه بمهارة مع الكوميديا. لكن ما يبرز خلف هذه الكوميديا ​​التهريجية وهذه الفكاهة التي قد تبدو قاسية أحيانًا، ما يتم التعبير عنه بهدوء، وهو ملاحظة صارخة عن حالة العالم،و شكل حاد من اليأس، يشفينا منه الفيلم بالضحك.وأثناء الترويج لفيلمه الأخير، الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي 2024، أعلن كوينتين دوبيو أنه سيقطع على نفسه عهدًا بالصمت من الآن فصاعدًا. لا مزيد من الترويج. لا مزيد من المقابلات. ثم صرّح المخرج بأنه قد حان الوقت "ليصمت". وهكذا فإن المصير الذي يُخبئه لسيمون هيرتسوغ، الصحفية المُثابرة في هذا الفيلم الروائي الجديد، يُفسر بلا لبس الرسالة التي ربما لم تُفهم تمامًا للصحفيين، وهي في الواقع مضحكة للغاية.
ثقافة الفراغ..هذا بالضبط ما نواجهه في هذا الفيلم الصادق، الذي يبذل قصارى جهده لتسليط الضوء على مجتمع لا يعيش إلا على الضجة والشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي إذ تُصوّر ماغالي مقاطع فيديو صادمة مدتها عشر ثوانٍ، على عجل باستخدام هاتفها، ومثل العديد من شباب اليوم، وجدت الفرصة المثالية لكسب ثروة طائلة. لذا تُكرّس كل جهودها، دون أن تعرف السبب الحقيقي.
انه فيلم جميل وعميقٌ للغاية، ونقدٌ لمجتمعنا. ويُسلّط الفيلم الضوء على مشهد المعاناة، والقسوة التي تحوّلت إلى عرضٍ تُصبح فيه البطلة ضحيةً للنظام ونتاجًا له. لقد سئمت البطلة من نظرة المعجبين لها، إذ لا وجود لها إلا من خلالها في هذا المجتمع الذي أصبح مجرد صور، وحيث تُعامل كشيءٍ من قِبَل مُعجبيها الذين لا حدود لهم. إنه نزعٌ لطيفٌ للصفات الإنسانية، يُسلّط الضوء على جميع جوانب مجتمعنا (الصحافة، الفن، المؤثرون، إلخ) مع الأداء الرائع لأديل التي جسدت الشخصية ببراعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

محمود هدايت: في السينما الشاعرية لا توجد صور قطّ.. بل أزمنة

"الست" عن حياة أم كلثوم محور حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي قبل عرضه

رحلة إلى عوالم البحر الأحمر السينمائي

مقالات ذات صلة

سينما

"الست" عن حياة أم كلثوم محور حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي قبل عرضه

متابعة: المدى لم يلبث فريق عمل الفيلم المصري "الست" أنْ عرَض الإعلان الترويجي للفيلم الذي يجسّد حياة "كوكب الشرق"، أم كلثوم، التي تقوم بدور شخصيتها الفنانة المصرية منى زكي، حتى ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram