TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > قروض المشاريع الصغيرة.. نسبة فشل كبيرة تبدد آمال التشغيل وتحرج وزارة العمل!

قروض المشاريع الصغيرة.. نسبة فشل كبيرة تبدد آمال التشغيل وتحرج وزارة العمل!

نشر في: 31 يوليو, 2025: 12:11 ص

بغداد / تبارك عبد المجيد
في وقت تتزايد فيه نسب البطالة وتتصاعد الدعوات إلى تمكين الشباب اقتصادياً، تبرز برامج القروض الحكومية كأحد الأدوات التي تراهن عليها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتحفيز المشاريع الصغيرة وتوفير فرص عمل مستدامة.
لكن هذه الجهود، ورغم طابعها الطموح، لا تزال تصطدم بواقعٍ مليءٍ بالتحديات، من ضعف المتابعة إلى انتشار المشاريع الوهمية، ما يثير تساؤلات جدية حول جدوى هذه المبادرات وأثرها الحقيقي على الاقتصاد الوطني.
ترأس وزير العمل والشؤون الاجتماعية، أحمد الأسدي، اجتماع مجلس إدارة صندوق دعم المشاريع الصغيرة المدرة للدخل، لمناقشة مسار القروض وآليات تنفيذ المشاريع ضمن الدفعات الممولة. وأكد الأسدي خلال الاجتماع أن القروض ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لإطلاق مشاريع منتجة تُحدث أثراً اقتصادياً ملموساً، مشدداً على أهمية المتابعة الميدانية لضمان تحقيق الجدوى الفعلية من تلك المشاريع.
وفي بيان رسمي اطلعت عليه "المدى"، أشار الوزير إلى أن "بعض المشاريع التي تم تمويلها في الفترات السابقة لم تحقق أهدافها، وأن نسبة كبيرة منها لم تنجح"، ما يستوجب التعامل بحزم مع أي مخالفات أو حالات تلاعب. كما وجّه بتنفيذ زيارات مفاجئة ودورية، مع منح مكافآت للمفتشين الذين يكتشفون مخالفات.
وأشار البيان إلى توجه الوزارة نحو تعزيز الرقابة الميدانية الرقمية، كما استعرض الاجتماع، بحسب البيان، العقد المبرم مع الشركة العامة لتجارة السيارات بشأن مشروع النقل الجماعي، الهادف إلى تمكين الباحثين عن العمل من امتلاك مركبات نقل من خلال قروض مشروطة، تتولى الوزارة بموجبها التعاقد مع وزارات أخرى لنقل الموظفين.
مخالفات تتزايد يومياً!
وأعلن أحمد عبد حسن، مدير مديرية صندوق المشاريع الصغيرة المدرة للدخل (القروض) في وزارة العمل، أن الوزارة تنفذ برنامجًا حكوميًا لإطلاق القروض بشكل سنوي، حيث يتم توزيع نحو 11,400 قرض على شكل وجبات، إلا أن ما صُرف فعلياً يصل إلى 6,500 قرض تقريباً.
وأشار عبد حسن في حديثه لـ "المدى"، إلى أن "هناك إجراءات ومعالجات حثيثة لمواجهة ظاهرة المشاريع الوهمية، حيث تقوم لجان المتابعة بمهام يومية في بغداد وبقية المحافظات، وقد أسهمت هذه المتابعات في الكشف عن عدد من المشاريع المخالفة". وأضاف: "كل يوم نكتشف مخالفات جديدة، بالتالي العدد يزداد يومياً، واللجان مستمرة في أداء واجبها".
وأوضح أن بعض المشاريع تكون نسب مخالفتها بسيطة، وفي هذه الحالات يتم توجيه أصحابها وتنبيههم من خلال لجان المتابعة، دون اتخاذ إجراءات مشددة.
وتابع عبد حسن أن قانون القروض الجديد الصادر في عام 2023، أتاح للوزارة صلاحيات أكبر في متابعة المشاريع بعد صرف القرض، مشيراً إلى أن القروض سابقاً كانت تصل إلى 8 ملايين دينار دون وجود متابعة، لكن اليوم ومع القانون الجديد أصبح من واجب الوزارة متابعة تنفيذ المشروع وتقييمه.
وأكد أن الوزارة تواصل جمع الإحصائيات وإجراء المقارنات لبيان نسب نجاح وفشل مشروع القروض، مشيرًا إلى وجود نماذج ناجحة لمشاريع استطاعت تسديد القرض خلال سنة واحدة نتيجةً لنجاحها، إضافة إلى مشاريع ابتكارية قدمت فرص عمل وساهمت في دعم الاقتصاد، من بينها أيضاً مشاريع ضمن برامج حاضنات الأعمال.
وتابع حديثه بالإشارة إلى أن "قانون القروض الجديد مكن الوزارة من شمول نحو 18 ألف مستفيد ضمن نظام الضمان الاجتماعي، مما يعكس تحقيق فوائد مزدوجة لكل من المقترضين وأصحاب العمل على حد سواء".
نوايا إيجابية وأثر محدود!
يرى الدكتور نوار السعدي، أستاذ الاقتصاد الدولي، أن قروض وزارة العمل المخصصة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، على الرغم من نواياها التنموية الإيجابية، لم تحقق الأثر المرجو في معالجة البطالة بين الشباب أو في تعزيز ريادة الأعمال على أرض الواقع.
ويقول السعدي لـ "المدى"، إن "هذه القروض، التي تهدف ظاهرياً إلى تمكين الشباب اقتصادياً، تُمنح غالباً دون دراسة جدوى دقيقة أو آليات متابعة صارمة للمشاريع بعد منح التمويل"، ويضيف أن ضعف الرقابة، وسوء توجيه الأموال نحو أغراض استهلاكية أو مشاريع لا تمتلك مقومات الاستدامة، يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعثر المشاريع أو توقفها خلال السنة الأولى من انطلاقها.
ويشير السعدي إلى أن "البيئة الاقتصادية العامة في العراق لا تُعد محفّزة لنمو المشاريع الصغيرة. فالحاصلون على القروض يواجهون تحديات متعددة، مثل الانقطاع المستمر للكهرباء، وارتفاع أسعار المواد الأولية، وضعف الخدمات المصرفية، إلى جانب غياب الحماية القانونية للمشاريع الناشئة. هذه العوامل مجتمعة تُقيّد من قدرة المشاريع على النمو وتوليد فرص عمل جديدة، مما يُبقي الأثر الإيجابي على نسب البطالة محدودًا للغاية".
ويؤكد السعدي أن "هناك فجوة كبيرة بين سياسة منح القروض وسياسات التعليم والتدريب المهني. فمعظم الشباب لا يتلقون تأهيلاً كافيًا في إدارة المشاريع ولا يحصلون على الدعم الفني والإداري اللازم بعد الحصول على التمويل، مما يحول القروض إلى مجرد دفعات نقدية تفتقر إلى رؤية تنموية شاملة".
ورغم التحديات، يرى السعدي أن هذه المبادرة يمكن أن تُحدث فارقًا حقيقيًا إذا أُعيد تصميمها وفق شروط واضحة. ويشدد على ضرورة توجيه القروض إلى مشاريع ذات إنتاجية فعلية، وربطها بمنظومة دعم فني وتدريبي فعّالة، مع إعطاء الأولوية للقطاعات الواعدة مثل الصناعات الغذائية، الطاقة المتجددة، والخدمات الرقمية.
وعن إمكانية تحقيق هذه القروض لأثر ملموس في خفض نسب البطالة، يوضح السعدي أن ذلك يتوقف على عاملين رئيسيين: أولاً، إصلاح بيئة الأعمال بشكل جذري، لجعل السوق العراقي أكثر جذبًا واحتواءً للمشاريع الجديدة، وثانيًا، بناء منظومة تمويل ذكية ومستدامة، لا تقتصر على ضخ الأموال، بل تركز على تعزيز الاستدامة والتطوير المستمر.
وفي حال توفر هذه الشروط، يبيّن السعدي، أن "من الممكن خلال ثلاث إلى خمس سنوات ملاحظة نتائج حقيقية على مستوى خفض معدلات البطالة في بعض المحافظات، خاصة إذا ما اقترن التمويل بسياسات لا مركزية فعّالة في التنمية، وشراكات حقيقية مع القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية ومراكز التدريب المهني".
تكامل التمويل مع التدريب
وقال الباحث الاقتصادي عبدالله علي إن "برامج القروض التي تقدمها وزارة العمل، إلى جانب القروض العامة الأخرى الموجهة لفئات الشباب والعاطلين عن العمل، تمثل خطوة مهمة لتحفيز النشاط الاقتصادي وخلق فرص العمل، لكنها بحاجة إلى تكامل مع برامج تدريبية وتأهيلية تضمن استدامة المشاريع وعدم تعثّرها".
وأوضح لـ "المدى"، أن "القروض الحكومية قد تكون أداة فاعلة في مواجهة البطالة ودفع عجلة التنمية، لكنها في الوقت نفسه قد تتحول إلى عبء على الشباب إذا لم تُقرن ببرامج توعية وتدريب في مجال إدارة المشاريع الصغيرة والتخطيط المالي، وهو ما نفتقر إليه بشكل واضح في كثير من الحالات".
وأضاف: "لوحظ أن نسبة كبيرة من المستفيدين من القروض يفتقرون إلى الخبرة العملية في إنشاء وإدارة المشاريع، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى فشل المشروع أو تعثّره، وبالتالي عدم القدرة على سداد القرض. وهذا ليس فشلاً للفرد فقط، بل هدرٌ لمورد اقتصادي مهم".
وشدد علي على أن القروض يجب ألا تُطرح كحل منفرد، بل ضمن منظومة متكاملة تشمل الإرشاد، المتابعة، التدريب، والحاضنات التي تدعم المشروع في مراحله الأولى، مضيفاً أن "نجاح القروض مرتبط بدرجة الوعي لدى المستفيد، ومدى جهوزيته الفنية والإدارية".
وأضاف بالقول: "إذا ما تم استغلال هذه القروض بشكل مدروس، مع دعم حقيقي من الدولة في بناء قدرات الشباب، فبلا شك ستكون لها تداعيات إيجابية طويلة الأمد على الاقتصاد الوطني وسوق العمل".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. خالد

    منذ 4 شهور

    لو ان وزارة العمل تقوم بالتنسيق مع وزارة الصناعة بإنشاء معامل صغيرة مستندة إلى مايستورده العراق وبعد تشغيل هذه المعامل تقوم بنقل ملكيتها إلى الشباب العاطلين بعد إدخالهم في دورات تدريبية لتشغيل هذه المعامل بأنفسهم بدلا من توزيع القروض التي لاتشتغل اغلبها

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram