بغداد / تبارك عبد المجيد
رغم امتلاك العراق كنوزًا أثرية وحضارية نادرة تمتد لآلاف السنين، لا يزال قطاع السياحة يرزح تحت وطأة الإهمال، وسط غياب التخطيط، وتفاقم الفساد، وسوء الإدارة. ويؤكد مختصون أن العراق يفتقد رؤية واضحة لاستثمار مقوماته السياحية، ما أدى إلى ضياع فرص اقتصادية كبيرة كان من الممكن أن تسهم في تنويع الدخل القومي وتوفير آلاف الوظائف.
ويقول نقيب السياحيين في العراق، محمد العبيدي، إن ضعف البنية التحتية يُعد أحد أبرز العوائق التي تعرقل النهوض بالسياحة، مشيرًا إلى افتقار البلاد إلى الفنادق الحديثة، وشركات السياحة المؤهلة، ووسائل النقل المريحة، وشبكات الطرق الجيدة وخدمات الاتصالات المتطورة، بما فيها الإنترنت. ويضيف: «السائح لا يبحث فقط عن المواقع، بل عن الراحة والخدمة والتقنية، وهذه الاحتياجات لا تزال غائبة في معظم المناطق».
ويتابع العبيدي أن الأزمة لا تتوقف عند البنية التحتية، بل تمتد إلى غياب الكوادر المتخصصة داخل المؤسسات السياحية المرتبطة بوزارة الثقافة وهيئة السياحة. ويوضح أن العمل في السياحة يتطلب تأهيلاً نفسياً ومهنياً للكوادر، لأن «التفاصيل الصغيرة في طريقة التعامل تصنع فرقاً كبيرًا في التجربة السياحية».
ويشير إلى أن الفساد، بشقيه المالي والإداري، يعمق أزمات هذا القطاع، موضحًا أن الفساد الإداري أكثر خطورة كونه «يقتل الكفاءة ويمنع بناء مؤسسة احترافية عبر وضع غير المؤهلين في مواقع حساسة»، مضيفاً: «المال قد يُعوض، لكن غياب العقول المتخصصة لا يُعوض».
ويحذر العبيدي من أن المحاصصة السياسية أضعفت القطاع عبر تعيين مسؤولين غير مؤهلين، وغياب التنسيق بين المؤسسات المعنية مثل أمانة بغداد، ووزارات النقل، والإسكان، والداخلية. ويؤكد أن السياحة لا يمكن أن تنهض بمعزل عن تعاون مؤسسات الدولة.
ويختم بالقول إن استثمار الإمكانيات التاريخية والدينية والطبيعية في العراق يتطلب كسر قيود الفساد والمحاصصة، وإعادة صياغة إدارة القطاع بروح مهنية ووطنية.
تراث مهدد بالإهمال والأمن
من جانبه، يرى الباحث في الآثار والتراث، علي حميد، أن واقع السياحة في العراق لا يعكس إطلاقاً حجم الكنوز الأثرية التي يمتلكها البلد، مثل بابل ونينوى وزقورة أور وطاق كسرى، والتي تعاني من الإهمال وغياب الصيانة وضعف التمويل.
ويقول إن الوضع الأمني غير المستقر خلال العقود الماضية كان له تأثير مباشر على القطاع، موضحًا أن هشاشة الأمن منعت دخول السياح وأعاقت تطوير المواقع الأثرية، بل جعلت بعضها عرضة للنهب أو التدمير، كما حدث في نينوى والنمرود. ويضيف أن التهديدات الأمنية ما تزال تحول دون وصول الباحثين والفرق المختصة إلى بعض المواقع.
ويشير حميد إلى أن غياب الرقابة والرؤية الاستثمارية جعل من قطاع السياحة مشروعًا معطلاً رغم إمكانياته الهائلة، مؤكداً أن استثمار 10% فقط من المواقع الأثرية بشكل مهني وآمن يمكن أن يحوّل السياحة إلى مورد اقتصادي رئيسي.
ويقول إن السياحة ليست ترفًا، بل جزء من الهوية الثقافية والاقتصادية للعراق، داعياً إلى خطة تأهيل واقعية توفر بيئة آمنة وجاذبة للسياحة المحلية والخارجية.
اقتصاد مهدور
ويُجمع الباحث الاقتصادي عبدالله نجم على أن السياحة تمثل فرصة واعدة لتقليل الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد. ويوضح أن العراق يمتلك مقومات متنوعة للسياحة، منها الدينية، والأثرية، والطبيعية، وسياحة الأهوار، لكن ضعف البنية التحتية والأمن والتشريعات يعيق تطور القطاع.
ويضيف أن السياحة في الدول المتقدمة تُعد مصدرًا رئيسًا للعملة الصعبة، ومشغلًا واسعًا لليد العاملة، موضحًا أن الزائر الأجنبي ينعش عدة قطاعات، من النقل إلى الحرف اليدوية.
ويحذر من أن استمرار الإهمال سيفوّت على العراق فرصًا كبيرة للنمو، مؤكدًا أن الاستثمار الجاد يمكن أن يخلق آلاف الوظائف، ويخفض معدلات البطالة. كما يشدد على ضرورة توفير بيئة داخلية آمنة، وتشريعات واضحة، وتعاون فعال مع القطاع الخاص المحلي والدولي.
ويختم نجم بالتأكيد على أن السياحة يمكن أن تكون ركيزة للتنمية المستدامة إذا ما وُضعت ضمن أولويات الدولة.
رغم ثرائها الحضاري.. الفساد وسوء الإدارة يهددان السياحة العراقية

نشر في: 3 أغسطس, 2025: 12:05 ص









