بغداد / المدى
يتصاعد الجدل في الأوساط السياسية والاقتصادية بشأن ملف تثبيت العقود المؤقتة في المؤسسات الحكومية العراقية، في ظل دعوات برلمانية وقرارات حكومية متباينة، ومخاوف من انعكاس ذلك على الموازنة العامة، خصوصًا مع اقتراب نهاية عمر الحكومة الحالية والدورة البرلمانية.
وفي خطوة لافتة، وجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني كتابًا رسميًا إلى وزارة المالية لإدراج تثبيت جميع أصحاب العقود ضمن موازنة عام 2026، وذلك استجابةً لطلب قدّمه النائب جبار الكناني.
وجاء هذا التوجيه بالتزامن مع إعلان نائب رئيس كتلة الإعمار والتنمية النيابية، مرتضى الساعدي، بأن السوداني "أوعز بتثبيت العقود دون استثناء"، في خطوة وصفها بأنها تهدف إلى "تحقيق الاستقرار الوظيفي لشريحة واسعة من الموظفين".
وتأكيدًا لهذا التوجه، أصدرت وزارة المالية وثيقة رسمية بتاريخ 30 تموز الجاري، أفادت بأن النظر في ملف التثبيت سيجري في ضوء النصوص القانونية التي سترد ضمن مشروع قانون موازنة 2026، مع التشديد على أن ذلك سيكون "مرهونًا بالموارد المالية المتاحة".
تشكيك برلماني
لكن هذه الوعود لم تمر دون اعتراض أو تشكيك، فقد صرّح النائب محمد الخفاجي بأن "تثبيت العقود غير ممكن ضمن موازنة 2025"، محذرًا مما أسماه "الوعود الكاذبة والتصريحات التي تُطلق لأغراض انتخابية بحتة".
وقال الخفاجي، في تصريح لـ(المدى)، إن موازنة 2025 هي جزء من الموازنة الثلاثية التي تشمل أعوام (2023–2025)، مؤكدًا أن "جداول الموازنة لم تصل حتى الآن إلى البرلمان، ولا توجد إمكانية حقيقية لتعديلها بما يسمح بالتثبيت، خصوصًا مع اقتراب انتهاء عمر الدورة البرلمانية".
وأضاف أن "أي تثبيت فعلي لن يكون إلا عبر موازنة 2026، التي ستُعدّ من قبل الحكومة الجديدة، ولا علاقة للحكومة الحالية أو البرلمان الحالي بها".
وأشار الخفاجي إلى أن رواتب المتعاقدين مؤمّنة قانونيًا لمدة ثلاث سنوات من تاريخ مباشرتهم، سواء في عقود الأمن الغذائي أو العقود المُقَرّة في الموازنات السابقة، مؤكدًا أن "العقود ستبقى نافذة حتى نهاية السنة الثالثة، وقد تمتد حتى نهاية عام 2027 لبعض الحالات".
وحذّر النائب من استغلال ملف التثبيت "في سياقات سياسية لا تخدم المصلحة العامة"، داعيًا الموظفين إلى "عدم الانجرار وراء وعود لا تستند إلى صلاحيات دستورية، ولا يمكن تنفيذها في ظل الظروف الحالية".
أعباء اقتصادية وتوصيات للقطاع الخاص
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي أحمد عبدربه أن أي قرار لتثبيت العقود سيضيف أعباءً مالية جسيمة على الموازنة، خصوصًا في ظل التزامات الدولة الحالية.
وقال عبدربه، في حديث لـ(المدى): "عدد المتعاقدين في عموم العراق يتجاوز 600 ألف شخص، وتثبيتهم الكامل قد يتطلب ما يقارب 5 تريليونات دينار سنويًا، وهو رقم كبير في ظل الضغوط التشغيلية الحالية".
وأضاف أن "الفلسفة التي قامت عليها التعاقدات في الأصل كانت تهدف إلى مرونة إدارية وليس توظيفًا دائمًا، وبالتالي ينبغي إعادة تقييم هذه السياسة بما يتناسب مع موارد الدولة وإمكاناتها".
ودعا عبدربه إلى التوجه نحو دعم القطاع الخاص كخيار استراتيجي، مستشهدًا بتجربة السعودية التي قامت بربط التوظيف في القطاع الخاص بالدعم الحكومي، ما خفف العبء عن الدولة وخلق دورة اقتصادية نشطة.
مخاوف من التسييس
اللجنة المالية النيابية كانت قد أبدت قلقها من تأخّر الحكومة في إرسال جداول موازنة 2025، رغم مرور أكثر من نصف العام. وأشار أعضاء اللجنة في تصريحات سابقة إلى أن "هناك مخاوف حقيقية من استغلال هذا التأخير كأداة دعائية انتخابية، مما يعيق الشفافية ويخلّ بجدية العمل المالي".
يأتي ذلك في وقتٍ يتزامن فيه الحديث عن تثبيت العقود مع اقتراب الانتخابات، وهو ما يثير الريبة لدى مراقبين من أن الملف قد يُستخدم كورقة ضغط أو حشد انتخابي، بعيدًا عن رؤية إصلاحية حقيقية.
ووسط التصريحات المتضاربة بين الجهات الحكومية والبرلمانية، تظل موازنة 2026 هي المحطة المقبلة التي قد تحمل حلولًا واقعية لملف العقود، شريطة وجود رؤية واضحة، وموارد مالية كافية، وابتعاد الملف عن التجاذبات السياسية. وفي انتظار ذلك، يبقى العاملون بالعقود بين سندان الترقب ومطرقة التأجيل، آملين أن تتحول الوعود إلى خطوات فعلية، لا إلى شعارات انتخابية عابرة.
جدل سياسي واقتصادي حول تثبيت العقود في العراق.. و"موازنة 2026" تدخل على الخط

نشر في: 4 أغسطس, 2025: 12:01 ص









