طالب عبد العزيز
لا يندرجُ الحديثُ عن الذكرى السنوية لتأسيس جريدة المدى تحت عنوان المديح، والتقييم الشخصيّ أو الاحتفاء، إنما يندرج تحت عنوان عريض هو(التقاليد الصحفية)ولا نجانبُ الصواب إذا قلنا بأنّها الجريدة الوحيدة التي تعمل على إرساء التقاليد تلك، وترسيخها، في بلاد ظلت تفتقد الى الصفة هذه منذ عقود طويلة، إذْ لم يحدث أنْ احتفظت الدولةُ والأنظمة السياسية المتعاقبة بجريدة ما، لتكون لسان حال المملكة، أو الجمهورية العراقية، على خلاف ما عملت عليه بلدان عربية كثيرة، تلك التي جعلت من إحدى المؤسسات الصحفية والإعلامية جزءاً من هويتها الوطنية، ودالة شعبها، وهنا يمكننا الإشارة الى أكثر من أنموذج عربي: كمؤسسة وجريدة الأهرام المصرية، أو النهار اللبنانية، أو القبس الكويتية وغيرها.
مع أنَّ جريدة المدى لا تمتُّ بصلة ما لأيِّ جريدة أو وسيلة إعلامية رسمية أو سياسية أخرى، فهي بتوصيفها الأول مؤسسة مستقلة، إلا أنَّها تُستعاد بصورة أو بأخرى في ذاكرة القارئ العراقي بوصفها الامتداد للصحف اليسارية، التي كانت تصدر بالعراق، في ستينات وسبعينات القرن الماضي، كإتحاد الشعب وطريق الشعب والفكر الجديد ومجلة الثقافة الجديدة وغيرها، لكنها تفترق عنها بعدم حزبيتها منذ صدور العدد الأول منها في 5/8/2003 وهكذا ستكون باستقلاليتها هذه في مواجهة الاحداث التي أعقبت إحتلال العراق، والتصدي لأداء الحكومات المتعاقبة، حيث حرصت على أن يكون العراق مستقلاً، وخارج التحالفات الدولية، ويتمتع مواطنوه بالقدر المستحق من الديمقراطية والعيش الكريم، وقد سجلت موقفاً مشرفاً في نشرها الوثائق السرية أو ما عرف بكوبونات النفط، المعمول بها في زمن النظام السابق، وكشفها الجهات والشخصيات العراقية العربية والعالمية، التي ساهمت في استمرار حكم صدام حسين ومن ثم الحاق أفدح الاضرار بالاقتصاد والانسان العراقي.
شخصياً كنتُ قد عملتُ في أكثر من صحيفة ومؤسسة إعلامية بعد العام 2003 لكنني لم أوقّع عقداً رسمياً وقانونيا مع واحدة منها، ولم يطلب مني ذلك. هناك عمل مرتجل، لا يستند الى قاعدة قانونية، فيما كنت ومنذ أن عملت ككاتب في جريدة المدى قد وقعت عقد عمل، بشروط معلومة بين الطرفين، كذلك حال الكتب التي تطبع وتنشرها دار المدى فهي تنفرد ايضاً عن معظم دور النشر بأنها لا تنشر كتاباً دون عقد مبرم بين الكاتب والناشر، وهذا ما نقصده في قولنا بأن المدى تعمل على ترسيخ قيم صحفية تريد من خلالها أن تبقى المؤسسة الرائدة في العراق.
باستطاعة أيِّ مجموعة تمتلك المال والتصور الاعلامي أن تُصدر صحيفةً، لكنها ستقع بين فكي النجاح والفشل، ذلك لأنّها لم تعمل بموجب القواعد المعمول بها في كبريات الصحف والمؤسسات الإعلامية العاليمة. هناك قاعدة في الصحافة الامريكية تقول: "على من يريد إصدار صحيفة أن يضحّي بعشر سنوات من العمل المضني أولاً ثم ينظر الى نجاحه" نحتفل بذكرى تأسيس جريدة المدى لأننا نشعر بأهمية القيم والتقاليد التي تبنتها، المؤسسةُ المدرسة، التي تشرفتْ بالكوكبة الكبيرة من الكتاب والشعراء والصحفيين الذين عملوا فيها منذ تأسيسها الاول، ويطيب لنا أنْ ننحني مُكْبرين جهدَهم، من غادر منهم، ومن بقي، أولئك الافذاذ الذين تركوا بصماتهم على صفحاتها، واصطفوا مخلصين، وموقنين بأنَّ ما بذروه ذات يوم ما زال مثمراً. التحية الصادقة والمخلصة لجريدتنا (المدى) وللعاملين عليها،إدارةً وتحريراً وأقساماً وصفحات.









