علي حسين
ظلّ الكتاب والمفكرون يضربون أخماساً بأسداس وهم يحاولون وضع تصور للدولة العادلة، لم يوفق افلاطون في حل اللغز حتى وهو يخصص للموضوع كتابا بعنوان "الجمهورية" تاركا المهمة لتلميذه النجيب أرسطو الذي كتب مجلدا ضخما أطلق عليه "علم السياسة" وهو الكتاب الذي ترجم للعربية قبل مئة عام من قبل أحمد لطفي السيد.. وعندما أصر أفلاطون على أن يعلم طلبته أن المدن لا يمكن أن تكون أفضل من حكامها، وقف أرسطو ليقول له: الحاكم الحق هو الذي يبني دولته على خصلتين، العقل والعدل.. في مرات عديدة وأنا أسترجع ما قرأته أتذكر دوما ما كتبه جان جاك روسو في اعترافاته: "العدالة، ليست علاقة بين إنسان وإنسان، بل بين دولة ومواطنين، شرط ألا يحول الحاكم الأفراد إلى أعداء بمحض الصدفة" يعلمنا روسو في اعترافاته أن الظلم حين يصبح مألوفا فإنه يزرع الفوضى، ويُغيّب الرحمة.. ويطرد العدالة.
ما الذي علينا أن نتعلمه من روسو، يرشدنا صاحب العقد الاجتماعي إلى أن الامم لا تزدهر في ظل ساسة يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون مصلحة البلاد.. فالعدالة الحقة لا مكان لها في ظل مسؤولين يخططون من أجل الوصول إلى درجة من الإيمان بأنه لا خيار أمام الناس سواهم..لأنهم وحدهم يملكون القوة والحزم.. أوهام كثيرة يصر البعض على ترويجها منها المؤامرة على الديمقراطية العراقية.. أو أننا شعب نحتاج الى قوانين مثل قانون حرية التعبير، وقانون الاجتثاث، وقرارات من عينة ما صدر عن مفوظية الانتخابات التي وجدت في المحامية زينب جواد خطرا على امن العراق واستقراره، وكان لا بد من منعها ممارسة حقها في الترشيح للانتخابات، فالكراسي محجوزة لاصحاب المال السياسي. قوانين وقرارات انقرضت من قواميس البلدان التي تسعى للحرية والتنمية.. فالشعوب تعلمت أن لا مكان لسياسي يتحدث وكأنه مبعوث العناية الألهية، وبفضل سنوات التشرد التي عاشها روسو وزملاؤه، ادركت هذه الشعوب ، إن الحل في دولة مؤسسات يديرها بشر يحترمون حقوق من يخالفونهم الرأي.
يحذرنا روسو قبل ثلاثمئة عام من حاكم يصر على أن يصبح بطلا استثنائيا، لا موظفا يُمنح راتباً من خزانة الدولة، ويريد من الناس أن يعيشوا في ظل دولة الخوف من المؤامرات.. يكتب روسو عام 1778 وهو يخط الصفحات الأخيرة من الاعترافات: "الحاكم المستبد لا ينتج سوى الخواء والفوضى والاضطراب، ولا يعطي مواطنيه سوى العبودية والظلم وذل العوز".. أيها الأصدقاء اكرر اقرأوا روسو جيدا وتساءلوا معي: ماذا سيكتب صاحب الاعترافات لو أنه عاش في ظل جمهورية مفوضية الانتخابات حيث لا صوت يعلو على المال السياسي ؟










