المدى/ خاص
في محافظة الأنبار، التي تشهد حركة عمرانية متزايدة بعد سنوات من الاستقرار الأمني، برزت أزمة المجمعات السكنية المتعثرة كواحدة من أبرز التحديات التي تهدد ثقة المواطنين بقطاع الاستثمار العقاري. ففي ظل غياب حلول حكومية ناجحة، تتكرر حالات انسحاب المستثمرين بعد حصولهم على دفعات مالية أولية من المواطنين، تاركين خلفهم مشروعات متوقفة، وأحلامًا مؤجلة.
يقول المواطن حسين خلف، أحد المتضررين من مشروع سكني في قضاء الرمادي، لـ(المدى)، إنه دفع مقدمة شراء بقيمة 15 مليون دينار في العام 2022، بعد وعود مغرية باستلام الوحدة خلال 18 شهرًا.
ويضيف: "لم نرَ أي تطور فعلي في الموقع، وبعد أشهر بدأنا نسمع عن انسحاب المستثمر. الآن المشروع متوقف، ولا أحد يرد على اتصالاتنا، لا الشركة ولا الحكومة".
حالة حسين ليست استثناءً، ففي معظم أقضية الأنبار، مثل الفلوجة وهيت وعامرية الصمود، تظهر مشكلات مماثلة، حيث يُجرى التعاقد مع المواطنين من دون توفير ضمانات حقيقية تُلزم المستثمر بإكمال المشروع أو إعادة الأموال في حال الانسحاب.
الاقتصادي ناصر باسم يرى أن "المشكلة الأساسية تكمن في غياب التشريعات الحازمة والرقابة الجدية على عقود الاستثمار العقاري".
ويوضح: "هناك فراغ قانوني يسمح للمستثمر بالحصول على مقدمات مالية من المواطنين دون وجود رادع حقيقي في حال الإخلال بالعقد. الجهات الحكومية تمنح إجازات استثمار، لكنها لا تتابع جدية التنفيذ، ولا تفرض ضمانات مالية حقيقية".
ويضيف باسم، خلال حديثه لـ(المدى)، أن بعض المستثمرين "يستغلون ضعف الوعي القانوني لدى المواطن، ويقدمون عروضًا مغرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو المكاتب العقارية، ثم ينسحبون بطرق غير قانونية، كالتصفية أو بيع الإجازة لمستثمر آخر، دون إعلام أو تعويض المشتركين".
وتعاني محافظة الأنبار من نقص حاد في الوحدات السكنية، إذ تشير تقديرات وزارة التخطيط العراقية إلى أن المحافظة بحاجة إلى أكثر من 100 ألف وحدة سكنية لسد العجز الحالي. هذا النقص شجع الكثير من السكان على اللجوء إلى المشاريع الاستثمارية، ظنًا منهم بأنها الحل الأسرع والأقل تكلفة، لكن الواقع أثبت عكس ذلك في كثير من الحالات.
من جانبهم، يطالب المتضررون الحكومة المحلية وهيئة الاستثمار بتشكيل لجان تحقيق شفافة، وبإلزام المستثمرين بتقديم ضمانات مصرفية أو عقارية قبل الشروع في تسويق الوحدات، إضافة إلى محاسبة الجهات المقصرة التي منحت إجازات دون دراسة جدوى واقعية.
ويقول سعد الخلف، أحد وجهاء قضاء الفلوجة، لـ(المدى)، إن "الناس بدأت تفقد الثقة بالمجمعات السكنية، وهذا يضرب الاقتصاد المحلي ويعرقل جهود الإعمار. يجب إعادة النظر في كل المنظومة الاستثمارية في مجال السكن".
حتى الآن، لم تُطرح حلول فعالة من قبل الجهات المعنية، ورغم أن بعض المشاريع المتعثرة أُعيد طرحها لمستثمرين جدد، إلا أن غالبية المتضررين لم يستردوا أموالهم، ولا تزال حقوقهم ضائعة بين الإجراءات القانونية المعقدة وصمت الجهات المسؤولة.
المجمعات السكنية في الأنبار.. مستثمرون ينسحبون والمواطن يدفع الثمن

نشر في: 6 أغسطس, 2025: 12:10 ص









