المدى/خاص
تعاني أكثر من 37 منطقة في محافظة الأنبار من شح حاد في مياه الشرب، وسط غياب حلول جذرية من الجهات المعنية، وتفاقم المعاناة خلال أشهر الصيف، حيث تزداد درجات الحرارة وتتراجع مناسيب نهر الفرات الذي تعتمد عليه المحافظة كمصدر رئيسي للمياه.
وتشمل المناطق المتأثرة أقضية ومدنًا مثل الرمادي، الفلوجة، الكرمة، الرطبة، حديثة، عنه، راوة، القائم، الخالدية، البغدادي، وعشرات القرى والمجمعات الزراعية الممتدة في البادية الغربية، ما جعل الأزمة شاملة وتمس حياة مئات آلاف السكان.
المواطنون في هذه المناطق يضطرون يوميًا إلى شراء المياه من الصهاريج الخاصة بأسعار باهظة، تصل أحيانًا إلى 15 ألف دينار للمتر المكعب الواحد، في ظل توقف عدد من مجمعات الإسالة بسبب عطل المضخات أو نفاد الوقود أو غياب الكهرباء اللازمة لتشغيلها.
في بعض القرى، يعمد السكان إلى جلب المياه من مسافات بعيدة بواسطة خزانات يجرّها الجرّار الزراعي، وهي مياه ملوثة وغير صالحة للشرب، لكنهم مضطرون لاستخدامها بسبب غياب البدائل.
وقال مصدر في دائرة ماء الأنبار، لـ(المدى)، إن ضعف التجهيز يعود إلى انخفاض منسوب نهر الفرات، وخروج محطات رئيسية عن الخدمة، بالإضافة إلى مشاكل التجاوز على خطوط النقل، وتقادم البنى التحتية التي لم تُحدَّث منذ سنوات طويلة.
وأوضح أن "بعض المشاريع متوقفة بانتظار التمويل، وأن الدائرة رفعت عدة مخاطبات للحكومة المحلية والوزارات المعنية، لكن الاستجابة لا تزال دون مستوى الأزمة".
ويشكو الأهالي من تقاعس الجهات المعنية، إذ أن الشكاوى المتكررة لم تجد نفعًا، والوعود المتكررة لم تُترجم إلى واقع ملموس. بعض المناطق مثل الحقلانية، البو عبيد، النساف، والبو طيبان لم تصلها مياه الشبكة منذ شهور، رغم وجود خطوط إسالة فيها، لكن دون ضغط كافٍ لتوصيل المياه إلى المنازل.
من جهته، قال الناشط المدني مصطفى الدليمي خلال حديث لـ(المدى)، إن "الأزمة تجاوزت حدود المعاناة اليومية وأصبحت تهدد الاستقرار السكاني في مناطق واسعة من الأنبار".
وأضاف أن "هناك مناطق كاملة تشرب من السواقي أو تجمعات مائية ملوثة، وسط غياب تام لرقابة الصحة أو أي تحرك وقائي".
وأشار إلى أن "بعض العوائل بدأت بالفعل بنقل سكنها إلى مراكز المدن هربًا من العطش، في حين بقيت الأسر الأكثر فقرًا عالقة في ظروف قاسية ومهددة بالأمراض".
العديد من المناطق تفتقر إلى حلول بديلة مثل الآبار الارتوازية أو وحدات التحلية، في وقت يعتمد فيه العراق بنسبة تزيد عن 90% من موارده المائية على دول الجوار، لا سيما تركيا وسوريا. ومع الانخفاض المستمر في الإطلاقات المائية من نهر الفرات، تتزايد احتمالات أن تتحول الأزمة إلى كارثة إنسانية ما لم يتم التحرك العاجل لمعالجتها.
الحكومة المحلية في الأنبار تطالب منذ أشهر بتخصيصات مالية طارئة لتنفيذ مشاريع حفر آبار وإنشاء وحدات تحلية متنقلة في المناطق البعيدة عن النهر، لكن الاستجابة من الوزارات المختصة لا تزال محدودة. وبينما تستمر الأزمة في التوسع، يجد المواطن نفسه مضطرًا للاعتماد على مصادر مائية غير آمنة، ما يهدد الصحة العامة ويدفع بكثيرين إلى حافة العطش القسري.










