TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هل ستكون الحرب هي الخيار المقبل لحل المسألة النووية الإيرانية؟

هل ستكون الحرب هي الخيار المقبل لحل المسألة النووية الإيرانية؟

نشر في: 7 أغسطس, 2025: 12:02 ص

تييري كوفيل

ترجمة: عدوية الهلالي

برّرت الدولة اليهودية هجوم إسرائيل على إيران في 13 حزيران بأنه "حرب وقائية" ردًا على "التهديد الوجودي" الذي يُشكّله وصول إيران إلى الأسلحة النووية. وقع هذا الهجوم خارج أي إطار قانوني، إذ لا يُعترف بمفهوم "الحرب الوقائية" في القانون الدولي. ويأتي في وقت لا يوجد فيه أي دليل على أن إيران قد قررت صنع قنبلة ذرية. ولكن الأهم من ذلك كله، أن هذا الهجوم قد أدى إلى تعطيل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة التي بدأت في نيسان 2025 بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن عدم توجه إيران نحو امتلاك أسلحة ذرية.
ومع ذلك، بدا أن هذه المفاوضات، رغم العديد من العقبات، قابلة للنجاح. من ناحية أخرى، كرر دونالد ترامب، رغم تهديده المتكرر بقصف إيران في حال عدم التوصل إلى اتفاق، رغبته في تجنب الحرب مع إيران بأي ثمن، وهو هدف بدا متسقًا مع وعده الانتخابي بإنهاء "الحروب التي لا تنتهي" للولايات المتحدة. أما من الجانب الإيراني، فقد أبدى استعدادًا للتفاوض، مدفوعًا بضعف موقف الجمهورية الإسلامية نتيجة فقدان نفوذ "محور المقاومة" منذ تشرين الأول 2023، نتيجة الاختفاء شبه التام لحماس، والضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله، وسقوط بشار الأسد في سوريا. وكان العامل الحاسم الآخر هو التدهور الشديد في البيئة الاجتماعية والسياسية في إيران. فقد تأثرت شرعية الجمهورية الإسلامية الإيرانية باحتجاجات عام 2022 المرتبطة بوفاة محسا أميني. بالإضافة إلى ذلك، ومع بلوغ معدل التضخم 30% منذ عام 2012، وفقًا للبنك الدولي، بسبب العقوبات، يُعاني السكان من الإرهاق، كما يتضح من الاحتجاجات التي شهدتها السنوات الأخيرة العديد من الفئات الاجتماعية مثل الممرضات والمعلمين والمتقاعدين، وغيرهم. لقد رأى القادة الإيرانيون في هذه المفاوضات فرصة لرفع عدد من العقوبات الأمريكية. ويمكن أن يؤدي الاتفاق مع رئيس من الحزب الجمهوري إلى اتفاق أكثر ديمومة مما كان عليه في عام 2015، حيث يمكن للكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية الموافقة على رفع عدد من العقوبات. وبعد خمس جولات من المفاوضات، التي نُظمت بوساطة سلطنة عمان، كانت العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق تتعلق بحق إيران في تخصيب اليورانيوم وتمثل الموقف الأمريكي في أن على إيران أن تتخلص من جميع قدراتها على تخصيب اليورانيوم، معتقدةً أن هذه الإمكانية تُسهل امتلاك الأسلحة النووية. من الجانب الإيراني، كانوا مستعدين للحد من برنامجهم النووي لتوفير ضمانات بأنه لن يتحول إلى برنامج عسكري، مع إصرارهم على حقهم في تخصيب اليورانيوم.
لقد قررت إسرائيل، التي عارضت هذه المفاوضات منذ البداية، شنّ هجوم عسكري على إيران. وانضمت الولايات المتحدة لاحقًا إلى هذا الهجوم خلال عملية "مطرقة منتصف الليل"، بقصف المواقع النووية في فوردو ونطنز وأصفهان. ثمّ، نجحت الولايات المتحدة في تأمين وقف إطلاق النار بعد اثني عشر يومًا من الحرب. فما الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها اليوم من هذا الصراع؟ لقد مُنيت إيران بهزيمة عسكرية، وهو أمر ليس مفاجئًا حقًا، فبسبب العقوبات، لا تملك سوى طائرات مقاتلة قديمة لا تستطيع منافسة سلاح الجو الإسرائيلي على قدم المساواة. علاوة على ذلك، لم يتمكن نظام دفاعها الجوي من التصدي بفعالية للهجمات الإسرائيلية. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن إيران استطاعت الرد على الهجمات الإسرائيلية بصواريخ باليستية وصلت إلى إسرائيل رغم نظام دفاعها الصاروخي المعروف باسم القبة الحديدية. من ناحية أخرى، ليس من المؤكد أن إسرائيل انتصرت في هذه الحرب، لأن هدفيها - تدمير قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم، والهدف الآخر الذي استُدعي بعد بدء الحرب، وهو تحقيق "تغيير النظام" من خلال الدعوة إلى انتفاضة شعبية - لم يتحققا. ويعتقد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن هذه التفجيرات ستؤخر برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم لعدة أشهر. علاوة على ذلك، ورغم التوترات السياسية الداخلية، حظيت الحكومة في إيران بدعم شعبي ملحوظ، بفضل روح المقاومة الوطنية في مواجهة العدوان الخارجي.
كان السؤال المحوري الذي ظل مطروحًا هو: هل يمكن استئناف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة ونجاحها حقًا؟ يسود شعور عميق بالخيانة على الجانب الإيراني: ويعتقد الكثيرون أن دونالد ترامب سمح بوقوع الهجوم الإسرائيلي رغم أن المباحثات كانت جارية في طهران. ورغم هذا الجو المتوتر، وتحت ضغط إنذار نهائي من الولايات المتحدة وحلفائها، وافقت إيران يوم الاثنين 21 تموز على الدخول في مفاوضات جديدة بشأن القضايا المتعلقة ببرنامجها النووي.
مع ذلك، لا يعني هذا الانفتاح بالضرورة تغييرًا في سياسة طهران. ومن المرجح أن تواصل السلطات الإيرانية المطالبة بحقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض المدنية، وخاصة لتوليد الكهرباء. وعلى الصعيد المحلي، لا يزال النقاش محتدمًا، حيث تُعارض الفصائل الأكثر تطرفًا بشدة أي تسوية مع واشنطن. بل إن بعض القادة السياسيين يذهبون إلى حدّ اقتراح انسحاب إيراني محتمل من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهو دليل على تنامي التوترات الداخلية.
علاوة على ذلك، في نهاية حزيران 2025، علّقت السلطات الإيرانية تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تتهمها بفقدان حيادها التام في الأشهر الأخيرة.لذلك، ورغم وجود إطار عمل للمفاوضات، يبقى سؤال واحد دون إجابة: هل سيكون دونالد ترامب على استعداد لإبداء مرونة، لا سيما في قضية تخصيب اليورانيوم؟ لا شيء أقل يقينًا. في حال فشل هذه الجولة الجديدة من المحادثات، يبقى خطر التصعيد العسكري قائمًا للغاية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram