خاص/ المدى
تتصاعد التحذيرات في الأوساط السياسية من محاولات منظمة لاختراق منظومة المساءلة والعدالة، وسط اتهامات بوجود ضغوط تهدف لتمرير شخصيات ارتبطت بالنظام السابق وإعادتها إلى مواقع القرار.
هذه التطورات تثير مخاوف من تقويض الأسس الدستورية التي حظرت عودة الفكر البعثي، وفتح الباب أمام تهديدات تمس استقرار العملية السياسية ومستقبل النظام الديمقراطي، في وقت تشهد فيه الساحة العراقية تجاذبات حادة حول مصير الهيئة ودورها في حماية مؤسسات الدولة من الاختراق.
عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية محمد الشمري، يرى أن هيئة المساءلة والعدالة تتعرض لضغوط سياسية كبيرة تهدف إلى تمكين البعثيين من العودة إلى العملية السياسية.
وقال الشمري في حديث لـ(المدى)، إن "هيئة المساءلة والعدالة تعمل وفق ضوابط صارمة تستبعد الأشخاص الذين تورطوا في جرائم خلال النظام السابق، لكن يبدو، من خلال ترشيحات قائمة السفراء وغيرها من الحالات، أن هناك محاولات لتمرير بعض الأسماء عبر الهيئة".
وأضاف، أن "الهيئة تواجه تدخلات سياسية وضغوطاً متنوعة وبشتى الوسائل تعيق عملها"، مشيرا إلى أن "البعثيين يشكلون خطرًا على العملية السياسية في البلاد، فهم يمثلون خطًا أحمرًا، ويجب عدم السماح لهم بالعودة إلى إدارة شؤون الناس مرة أخرى".
وأوضح أن "التجربة السابقة معهم كانت كافية، وهم يسعون للعودة، لكن هناك من يتصدى لهم باستمرار".
وحول الآليات التي يمكن تفعيلها لمنع تكرار هذا السيناريو، أكد الشمري، أن "تطبيق الشروط والمعايير المنصوص عليها في القانون بشكل صارم سيكون كفيلًا بحماية العملية السياسية من أي اختراق، سواء من البعثيين أو غيرهم، بما في ذلك عناصر داعش الإرهابية".
ويوم أمس، حذر رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، من التساهل مع البعثيين واختراق مؤسسات الدولة.
وقال المالكي في بيان تلقته (المدى): "لقد نص الدستور العراقي في مادته السابعة بشكل صريح على حظر حزب البعث، ومنع رموزه من العودة إلى الحياة السياسية تحت أي مسمى أو عنوان، واعتبر انتماءهم لهذا الحزب جريمة لا تسقط بالتقادم، وقد جاءت هذه المادة استجابة لمرحلة مظلمة من تاريخ العراق، عاش فيها الشعب سنوات من القمع والتمييز والدماء على يد نظام استبدادي استند إلى فكر عنصري وإرهابي وطائفي".
وأضاف: "وانطلاقًا من هذا المبدأ الدستوري، تم إنشاء الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة، لتكون الجهة المختصة في كشف البعثيين، وجمع الأدلة التي تثبت انتماءهم، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، بما في ذلك منعهم من الترشح أو المشاركة في العملية السياسية"، لافتا الى أن "النصوص القانونية تؤكد أن الهيئة ليست جهة قضائية تُصدر أحكاما، بل جهة تنفيذية تعمل على تطبيق القانون وفقًا للدستور، وقراراتها ملزمة ولا يجوز التدخل فيها من أي جهة سياسية أو حكومية أو تشريعية".
وتابع أن "أي محاولة للتساهل مع هذه الإجراءات أو التغاضي عنها، تعني فتح الباب أمام اختراق مؤسسات الدولة، وعودة الفكر البعثي عبر قنوات التشريع أو الأمن أو الاقتصاد، وهذا يشكل تهديدا مباشرا لمسار الدولة الديمقراطية، ويُعد استخفافا بتضحيات العراقيين الذين قاوموا الاستبداد ودفعوا ثمنا باهظا من أجل بناء عراق جديد".
ودعا إلى "الوقوف الحازم مع الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة، وتمكينها من أداء واجبها دون ضغوط أو عراقيل"، مشيرا الى انه "إذا ثبت بالأدلة أن أحد الأفراد الذين تسللوا إلى البرلمان أو مواقع الدولة كان منتمياً سابقاً لحزب البعث، فيجب شمله فورا بالإجراءات القانونية، بصرف النظر عن موقعه الحالي أو الطريقة التي وصل بها إلى المنصب".
وشدد المالكي على أن "حماية العملية السياسية من التلوث البعثي ليست خيارًا، بل هو واجب وطني ودستوري، ولا يجوز تحت أي ظرف أن تُقدَّم المجاملات السياسية على حساب دماء العراقيين ومستقبل دولتهم".
يذكر أن السوداني سبق أن طلب رسمياً إلى هيئة المساءلة والعدالة نقل ملفاتها إلى القضاء، في خطوة أولى لتنفيذ الاتفاق بحل الهيئة، إلا أن الطلب قوبل بالرفض من قبل رئيس الهيئة، ودعمته قوى من الإطار التنسيقي. وجاءت هذه الخطوة ضمن الاتفاقات والتفاهمات بين القوى الحاكمة في البلاد، ضمن ما يُعرف بائتلاف "إدارة الدولة"، وكان شرطاً من شروط تشكيل حكومة السوداني، أن تُحل هيئة المساءلة والعدالة وتحويلها إلى ملف قضائي.
وأُقرّ قانون اجتثاث حزب البعث عقب الغزو الأميركي للعراق، عام 2005، ونص عليه الدستور العراقي، واستناداً إلى القانون أُقيل عشرات آلاف العراقيين من وظائفهم، وصودرت أملاك آلاف آخرين، وأُحيل قسم على القضاء، إلا أن كتلاً سياسية مختلفة تواصل المطالبة بتفعيلات جديدة فيه وضمانة فعاليته، بهدف ما تسمّيه منع وصول البعثيين إلى المناصب. وتواجه هيئة "اجتثاث البعث"، التي تحوّل اسمها إلى هيئة المساءلة والعدالة، اتهامات واسعة بالانتقائية في إصدار أحكام الإقصاء، أو الإقالة من المؤسسات والدوائر الرسمية، استجابة لضغوط من قبل قوى مؤثرة على المستوى السياسي.
وحاول رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، التخلّص من تركة الهيئة، وما تسببت به من أزمات نتيجة إقصائها مكوناً معيناً، لذا عمل على مراجعة تشكيلتها والارتباطات الحزبية للمسؤولين فيها، بالتنسيق مع رئاسة البرلمان المنحل، وحاول تعيين شخصيات مستقلة في الهيئة لتحقيق التوازن، إلا أن جهوده فشلت.










