خاص/المدى
غطّت سحابة بيضاء كثيفة أجزاء واسعة من مدينة الرمادي، خاصة في مناطق الجنوب والوسط والغرب، ما أثار استغراب الأهالي في البداية، قبل أن يتضح أنها ناجمة عن حرق مخلفات نباتية محلية تُعرف باسم “الزل” خلف سكة القطار. الحادثة فتحت مجدداً ملف الانبعاثات الخانقة ومخاطرها الصحية في ظل ضعف الإجراءات الرقابية.
يقول الخبير البيئي صميم سلام الفهد، في حديث لـ(المدى) أن "الخطر الأكبر في مثل هذه الانبعاثات يتمثل في الجسيمات الدقيقة المعروفة علمياً بـ PM2.5، وهي جسيمات يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر، أي أصغر من شعرة الإنسان بعشرات المرات".
وقال الفهد: "هذه الجسيمات قادرة على التغلغل عميقاً في الجهاز التنفسي والوصول إلى الحويصلات الهوائية في الرئتين، بل وحتى اختراق مجرى الدم، ما يزيد من احتمالات الإصابة بأمراض القلب، وتفاقم الربو، وحدوث التهابات حادة في الجهاز التنفسي، إضافة إلى مخاطر الوفاة المبكرة لدى مرضى الحالات المزمنة".
وأشار إلى أن "استمرار الحرق المكشوف للمخلفات الزراعية في المدن المكتظة يرفع بشكل كبير من مؤشرات تلوث الهواء، داعياً إلى فرض حظر صارم على هذه الممارسات، وتوفير بدائل آمنة وصديقة للبيئة للتخلص من النفايات الزراعية".
أبو مصطفى، أحد سكان الرمادي، عبّر بغضب عن الوضع قائلاً: "منذ انتشار السحابة والناس تتصل بي وكأنني جهة مسؤولة! المرضى، خصوصاً من يعانون من الربو أو أمراض مزمنة في التنفس، لا يستطيعون فتح النوافذ أو حتى الخروج".
وأضاف: "هناك عائلات لا تملك سوى مبردات هواء للتبريد، ومع هذا الجو الحار والهواء الملوث، الوضع أصبح لا يُطاق. نحن نستغيث منذ سنوات، لكن الحرق يستمر، وكأن صحة الناس آخر الأولويات".
المواطنون يطالبون بتحرك عاجل من الجهات المختصة، ليس فقط لإيقاف الحرق في هذه الحادثة، بل لوضع خطة شاملة تمنع تكرارها. كما دعوا إلى نشر فرق ميدانية لمراقبة المناطق الزراعية وأطراف المدن، وتطبيق غرامات رادعة على المخالفين، مع تعزيز الوعي العام حول مخاطر التلوث الهوائي.
تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن التعرض المزمن للجسيمات الدقيقة PM2.5 يزيد من خطر الوفاة المبكرة، ويسبب أضراراً طويلة الأمد على الجهاز التنفسي، خاصة لدى الأطفال وكبار السن. كما أن ارتفاع معدلات التلوث يضع العراق في قائمة الدول التي تواجه تحديات بيئية وصحية متصاعدة.
حادثة السحابة البيضاء في الرمادي ليست مجرد حالة عرضية، بل جرس إنذار جديد على ضرورة التعامل بجدية مع ملف التلوث الهوائي في المدن العراقية. بين تحذيرات الخبراء ومعاناة المواطنين، تبرز الحاجة إلى تحرك سريع يوقف الممارسات الملوثة للهواء، ويضع صحة الإنسان في صدارة الاهتمام، قبل أن تتحول هذه السحب الخانقة إلى مشهد مألوف في سماء المدن.










