بغداد/ يمان الحسناوي
في وقت تسعى فيه العراق جاهدًا لمواجهة التحديات الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل بعيدا عن الاعتماد شبه الكامل على النفط، كشفت وزارة التخطيط عن تفاصيل خطة التنمية الخمسية (2024–2028) التي تستهدف تحقيق إيرادات إجمالية تقارب 710 تريليونات دينار عراقي، معظمها من القطاع النفطي
في هذا السياق، أوضح المتحدث الرسمي باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، أن الإيرادات النفطية المتوقعة تبلغ نحو 631 تريليون دينار، بينما يُقدر أن تبلغ الإيرادات غير النفطية نحو 79 تريليون دينار
رؤية الحكومة: تحول من الريع إلى الإنتاج
بدوره، اعتبر مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، مظهر محمد صالح، الخطة حجر الأساس لانطلاقة اقتصادية شاملة، مؤكّدًا أنها تعكس إصرارًا وطنيًا على الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج وتنافسي.
وأوضح صالح خلال حديثه لـ(المدى)، أن النجاح مرهون بإرادة سياسية مستقرة، ودعم من القيادة العليا، وإطار تشريعي يحوّل الخطة إلى قانون ملزم يحدد الأهداف والموارد والجهات المنفذة.
كما شدّد على أن التمويل المستدام سيكون مزيجًا من إيرادات النفط، والاستثمارات الخاصة، والقروض التنموية الميسّرة، مع اعتماد فرق متخصصة لإدارة المشاريع وفق معايير PMI، بعيدًا عن المحاصصة السياسية والمناطقية.
أما بشأن الأهداف الكمية للخطة، فأنها تتمثل، بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 5% سنويًا، وخفض البطالة إلى أقل من 8% سنويًا، إبقاء التضخم دون 5% سنويًا بحسب صالح. وأشار الى رفع مساهمة البتروكيماويات إلى 5% من الناتج المحلي، بالإضافة الى زيادة إنتاج النفط إلى قرابة 6 ملايين برميل يوميًا، وكذلك استغلال الغاز المصاحب بنسبة 90%، ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية إلى أكثر من 50% من الدخل الوطني بحلول 2028.
وكانت وزارة التخطيط قد أكدت أنها تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي سنوي قدره 4.24%، مع تخصيص استثمارات إجمالية تتجاوز 241 تريليون دينار، منها 157 تريليوناً من القطاع الحكومي و84 تريليوناً من القطاع الخاص.
وأشارت إلى أن النسبة الأكبر من التكوين الرأسمالي ستذهب إلى قطاع النفط (27.4%)، يليه ملكية دور السكن (22.5%)، ثم خدمات التنمية الاجتماعية (20.8%)، فيما ستشكل قطاعات الماء والكهرباء 8.6%، والصناعة التحويلية 7.8%.
عامان ضائعان وفجوة مالية
اما الباحث بالشأن الاقتصادي ضياء المحسن، فقد انتقد آليات تنفيذ الخطط الخمسية في العراق، مشيرًا إلى أن خطة 2018–2022 تأخر إطلاقها حتى 2019، ما أضاع سنة من عمرها.
وبحسب المحسن فإن السيناريو ذاته يتكرر اليوم، إذ انتهى عام 2025 دون تنفيذ فعلي يوازي عامين من الخطة الجديدة. وأضاف المحسن لـ(المدى)، أن توقع الحكومة إكمال الخطة في السنوات الثلاث المتبقية "غير منطقي وغير مسؤول"، لافتًا إلى عجز كبير في الإيرادات غير النفطية، إذ لم تتجاوز الإيرادات الضريبية في 2024 5 تريليونات دينار، بعجز يقدر بـ 7 تريليونات دينار، وهو العجز نفسه المتوقع في 2025، ليصل الإجمالي إلى 14 تريليون دينار خلال عامين. كما انتقد اعتماد الحكومة على سعر نفط افتراضي يبلغ 58 دولارًا للبرميل في ظل تزايد الإنفاق والتعيينات، معتبرًا أن المطلوب هو خطة واقعية قابلة للتنفيذ بدلًا من "أوهام" على الورق، على حد تعبيره
وفي المحصلة، تبقى خطة التنمية الخمسية (2024–2028) بين طموحات مرسومة على الورق وتحديات قاسية على الأرض، إذ تتطلب ترجمتها إلى واقع إرادة سياسية حازمة، وانضباطاً تنفيذياً بعيداً عن المحاصصة، فضلاً عن مصادر تمويل مستدامة تقلل الارتهان لعائدات النفط.
فإما أن تتحول هذه الأرقام إلى إنجازات ملموسة تغيّر ملامح الاقتصاد العراقي، أو تبقى حبيسة الأدراج شاهدة على فجوة مزمنة بين التخطيط والتنفيذ.
خطة التنمية الخمسية بين الورق والواقع: أرقام طموحة وتشكيك في التنفيذ

نشر في: 12 أغسطس, 2025: 12:10 ص









