خاص/ المدى
رغم المساحة الواسعة لمحافظة الأنبار، التي تعد الأكبر في العراق، وامتدادها الجغرافي من الحدود السورية والأردنية غرباً إلى بغداد شرقاً، فإن سكانها يواجهون منذ سنوات أزمة متفاقمة في النقل العام والمواصلات، سواء داخل المدن أو بين الأقضية والنواحي.
وتزداد هذه الأزمة حدّة في المدن الرئيسة مثل الرمادي والفلوجة وهيت، حيث يعتمد جزء كبير من المواطنين على سيارات الأجرة الصغيرة أو المركبات الخصوصية، في ظل غياب منظومة نقل جماعي فعّالة ومنظمة.
قبل أعوام، خصصت الحكومة المحلية بالتعاون مع وزارة النقل عدداً من الحافلات الكبيرة والمتوسطة لنقل الركاب بين أحياء المدن الرئيسة وأقضية المحافظة، في خطوة هدفت إلى تخفيف الزحام وتقليل تكاليف التنقل على المواطنين، خصوصاً الموظفين والطلبة. لكن هذه الحافلات سرعان ما اختفت من الشوارع. لم تصدر أي بيانات رسمية توضح أين ذهبت، وهل هي معطلة، أم نقلت إلى محافظات أخرى، أم تم إيقاف عملها لأسباب إدارية أو مالية.
هذا الغياب يثير تساؤلات عديدة لدى الأهالي، إذ يقول الناشط المدني أحمد الدليمي، خلال حديث لـ(المدى): "كنا نرى تلك الحافلات سوف تعمل في خطوط منتظمة، وتحل معضلة كبيرة، من حق المواطن أن يعرف: أين ذهبت؟ ولماذا لم تتم صيانتها أو استبدالها؟ نحن نتحدث عن حاجة يومية لمئات الآلاف من السكان، وليس عن خدمة ثانوية يمكن تجاهلها".
يقول المواطن محمد عبد الكريم من الرمادي: "أنا أعمل في السوق القديم وأعيش في أطراف المدينة، أحتاج يومياً إلى نحو 8 آلاف دينار للتنقل، هذا المبلغ يستهلك جزءاً كبيراً من راتبي، لو كانت هناك حافلات عامة لوفرت علينا الكثير".
الأزمة لا تقتصر على المدن الكبيرة؛ بل تتضاعف في الأقضية والنواحي البعيدة مثل الرطبة وحديثة وعانة، حيث قد يضطر المواطنون لانتظار ساعات حتى يجدوا سيارة تقلهم، أو دفع أجرة مرتفعة للغاية، هذا النقص في المواصلات ينعكس سلباً على الحركة التجارية، ونقل الطلبة، وحتى على إمكانية وصول المرضى إلى المستشفيات في الحالات الطارئة.
يرى خبراء محليون أن سبب المشكلة لا يعود فقط إلى نقص التمويل، بل أيضاً إلى غياب رؤية مستدامة لإدارة ملف النقل. فالنقل العام يتطلب خطة تشغيلية تتضمن: توفير أسطول من الحافلات، صيانتها بشكل دوري، تشغيلها وفق جدول زمني ثابت، وتخصيص ميزانية تشغيلية دائمة. كما أن هناك حاجة لتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
يطالب الناشطون الحكومة المحلية بالكشف عن مصير الحافلات التي كانت مخصصة للنقل العام، وإعادة تفعيل هذه الخدمة بأسرع وقت، إلى جانب إنشاء خطوط نقل جديدة تربط الأقضية بالمراكز الحضرية، وتحديد أجور مناسبة للمواطنين.
ويختم أحمد الدليمي حديثه قائلاً: "النقل العام ليس رفاهية، بل حق أساسي. إذا أردنا أن نتحدث عن تنمية حقيقية في الأنبار، فعلينا أن نبدأ من تسهيل حركة الناس وتوفير وسائل نقل آمنة ورخيصة للجميع".










