المثنى/ كريم ستار
تشهد محافظة المثنى حالة من الجدل بين المسؤولين والسكان حول مستقبل مشاريع الطرق الريفية، بعد قرار مجلس المحافظة التريث في تنفيذ عدد من هذه المشاريع الممولة ضمن خطة صندوق إعمار المحافظات الأكثر فقرًا. القرار أثار تساؤلات واسعة حول دوافعه وتأثيره على حياة القرى، وسط اتهامات محتملة باستغلال المشاريع لأغراض انتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، ما دفع المجلس إلى إعادة النظر في آلية التنفيذ وضمان العدالة في توزيع الموارد التنموية
في الأسابيع الأخيرة، صوت مجلس محافظة المثنى بالأغلبية على قرار يوقف مؤقتًا تنفيذ مشاريع الطرق الريفية في عدد من قرى المحافظة، معتبرًا أن بعض هذه المشاريع تم إدراجها دون المرور بالقنوات الإدارية الرسمية المعتمدة، وأن هناك استثناءات حصل عليها بعض المرشحين أو الشخصيات السياسية بغرض توظيف هذه المشاريع لخدمة أجنداتهم الانتخابية.
هذا القرار جاء في ظل تخصيص ميزانية محددة للمحافظة ضمن صندوق دعم المحافظات الأكثر فقرًا، حيث يُفترض أن تذهب هذه الأموال إلى تحسين البنية التحتية في المناطق المحرومة، خصوصًا في القرى التي تعاني من ضعف في الخدمات الأساسية مثل الطرق والكهرباء والماء.
في قلب المشهد الشعبي، انقسمت الآراء بين مؤيد للقرار ومخالف له.
محمد جاسم، أحد سكان قضاء الرميثة، عبّر عن قلقه من تأجيل تنفيذ الطرق الريفية قائلاً لـ(المدى): "نحن بحاجة ماسة إلى هذه الطرق لتسهيل وصولنا إلى المدارس والمستشفيات والأسواق، والتأخير يعني استمرار معاناتنا من الطرق الوعرة التي تعرقل حياتنا اليومية".
وأضاف: "لكننا نفهم أيضًا ضرورة محاربة أي استغلال سياسي لهذه المشاريع، فالشفافية مهمة للجميع حتى لا تتحول التنمية إلى لعبة سياسية".
من جهته، قال عبد الله الحمادي، من أهالي ناحية الخضر لـ(المدى)"، إن "المجلس اتخذ قرارًا مسؤولًا يعكس حرصه على حماية المال العام، وهو إجراء ضروري في ظل اقتراب الانتخابات لمنع استغلال المشاريع في المكاسب السياسية الضيقة".
ولم تكن المواقف الشعبية فقط هي التي أثرت على النقاش، بل تدخلت شخصيات رسمية لتوضيح موقف مجلس المحافظة وتقديم تبريرات القرار.
نائب رئيس مجلس محافظة المثنى، غازي الزيادي، أكد أن المجلس لم يتخذ قرار إيقاف نهائي للمشاريع، وإنما قرار تريث لحين استكمال إجراءات التحقيق والتدقيق في مصادقة الوحدات الإدارية على المشاريع، مشيرًا إلى أن بعض المشاريع أُدرجت ضمن خطة الصندوق دون المرور بالقنوات المختصة في المحافظة.
وقال الزيادي في حديث لـ(المدى): "قمنا بتشكيل لجنة تحقيق متخصصة لمراجعة ملفات المشاريع، للتأكد من أن الأولوية تُمنح للمناطق التي كانت محرومة في السنوات السابقة، وضمان عدم تكرار تمييز بعض المناطق على حساب أخرى".
وأضاف: "إذا ثبت أن هذه المشاريع قانونية وخالية من الاستغلال السياسي، فسنوافق على استئناف تنفيذها فورًا".
الى ذلك، أكد الباحث في التنمية المحلية، علي الركابي، لـ(المدى)، أن تأجيل المشاريع التنموية في المناطق الريفية قد يعرقل جهود تحسين جودة الحياة.
وقال: "تأجيل مشاريع الطرق يؤثر سلبًا على حياة المواطنين، خصوصًا في القرى التي تعتمد على هذه الطرق في الوصول إلى الخدمات الحيوية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أهمية الشفافية والعدالة في تنفيذ المشاريع".
من جانبها، أشارت الباحثة الاجتماعية، نهى الدليمي في حديث لـ(المدى)، إلى أن المشاركة المجتمعية في متابعة تنفيذ المشاريع تلعب دورًا مهمًا في ضمان وصول التنمية إلى الجميع، مضيفة: "يجب إشراك المواطنين في مراقبة هذه المشاريع لمنع تهميش أي منطقة أو فئة، كما أن الشفافية في العمل تمنع استغلال المشاريع لمصالح ضيقة".
صندوق إعمار المحافظات الأكثر فقرًا تأسس بغاية تقديم الدعم المالي للمحافظات التي تعاني من نقص في الخدمات الأساسية والبنية التحتية. وتُخصص موازنات للمشاريع التي تشمل الطرق، والكهرباء، والماء، وغيرها من الخدمات التي تحسن من حياة المواطنين.
يمثل هذا الصندوق في محافظة المثنى مصدرًا هامًا لتمويل مشاريع تنموية في القرى والأرياف، حيث كانت تعاني لفترات طويلة من نقص الخدمات بسبب الإهمال وقلة الاستثمارات.
ومع ذلك، تشير مصادر من داخل المجلس إلى أن بعض المشاريع المدرجة ضمن الصندوق لم تحصل على المصادقة الرسمية من الوحدات الإدارية، ما أدى إلى إدراجها بطريقة غير منظمة، وبالتالي تكرار تمييز بعض المناطق على حساب أخرى، الأمر الذي أثار حفيظة المجلس وفرض إعادة تقييم للملف بالكامل.
وفي ظل هذا الوضع، يبقى المواطن العادي هو الأكثر انتظارًا لقرار واضح يضمن له طريقًا يصل قريته بالمدينة، وخدمات تعين على تحسين حياته، بعيدًا عن أي حسابات سياسية قد تؤجل هذه الحقوق.










