ذي قار / حسين العامل
يوثق الكاتب نعيم عبد مهلهل في مجموعته القصصية الأخير (كان إسمها قيمر) تحولات مناطق الاهوار ومكابدات سكانها في حياتهم اليومية التي يشح فيها الماء، فبعد ان كانت توصف بـ (جنة عدن) باتت اليوم أرض يباب.
وفي حديث للمدى يقول مهلهل عن كتابه ان " المجموعة تمثل رؤية أخرى لتحولات الطبيعة وعلاقتها بأقدار أهل الأهوار، الذين تلازمهم إشكالية الماء في كثرة جفافه"، وأضاف " ما يدفعهم ذلك الى التفكير بالهجرة بإتجاه مدن حضرية لا يحسنون العيش فيها".
وأشار مهلهل المولود في الناصرية عام 1957 انه" كقاص يتحرك داخل المجموعة وبين القصص كشاهد عيان ليسجل طوبوغرافيا بيئة الأهوار والحياة الاجتماعية فيها، ويؤرشف يوميات المكان وأحلامه، ويتقصى التحولات التضاريسية لبيئة كانت في زمن ما فردوسًا لساكنيها".
ويجد مهلهل المقيم حاليا في بلاد المهجر انه يسجل من خلال رؤيته السردية، ذكريات لزمن كان فيه الجاموس يقضي أجمل نهارات قيلولته ويدر حليبًا، قبل أن تأتي الحروب لتجفف الأهوار وتجعل سكانها مطاردين، واسترسل " ثم جاء التغيير وبقى الحال على ما هو عليه بعد أن مسكت تركيا عنق الزجاجة في سد إليسو وحولت إيران مجرى نهر الكارون".
ويستذكر مهلهل بمنجزه القصصي الموسوم "كان اسمها قيمر"، احداث القصص ومتغيراتها وتعدد العناوين في القرية الاهوارية التي تَعيَّن فيها معلما حيث تشكلت جملة من العلاقات الإنسانية بينه وبين السكان المحليين، اذ يصور ذلك في مشهد معبر يقول فيه:
"والآن بعد ثمانية أعوام دراسية في مدرسة البهجة، تخللتها سنتان من الخدمة العسكرية في قلق وخوف الحرب، حملت حقائب الهجرة ومعي حلم سنوات عمر نوح الذي يعتقد شغاتي أنه سيعيشه، ومتى عدت بعد ثلاثين عامًا من المهجر وأنا أعتقد يقينًا أنني عندما أزور القرية التي تعينت فيها معلمًا، سأجد شغاتي موظف الخدمة في مدرستنا وقد جاوز المئة عام وملامح نوح ستكون مرسومة على أجفانه على شكل ابتسامة بحار وهو يقف مبتسمًا تحت شراع السفينة".
ويتابع مهلهل في سرديته " لكن القرية التي وصلتها أول الفجر بمتعة السفر في ذات المشحوف الذي يقوده ابن من كان ينقلنا عليه من بر مدينة الجبايش إلى القرية بسير نصف ساعة قد تغيرت"، واستطرد " فالمدرسة هدمتها المدافع مرة، وثلاث مرات اقتلعتها عجاجة العاصفة الماطرة، وذات يوم غير مكانها مشرف تربوي ونقلها إلى قرية أخرى، فلم يعد أطفالها يذهبون إلى المدرسة".
ويختم مهلهل بالقول " وحين سألت من كانوا تلاميذًا في سنواتي التعليمية عن شغاتي، أخبروني أن قلبه توقف ذات صباح وهو يستمع إلى نشيد الصباح قبل دخول التلاميذ إلى الصفوف".
والكاتب نعيم عبد مهلهل روائي وصحافي عراقي، وله أعمال أدبية في الرواية والقصة والشعر والتاريخ والديانات القديمة والميثولوجيا السومري، حائز عن بعضها العديد من الجوائز










