TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > معامل الجص في الأنبار.. تهديد بيئي يفاقم المخاطر الصحية وسط ضعف الإجراءات الرقابية

معامل الجص في الأنبار.. تهديد بيئي يفاقم المخاطر الصحية وسط ضعف الإجراءات الرقابية

نشر في: 18 أغسطس, 2025: 12:03 ص

 الانبار/ محمد علي

تعاني الأنبار تحديات بيئية خطيرة في ظل التوسع الصناعي الذي تشهده المحافظة، نتيجة إنشاء معامل "الجص" او نقلها إلى مواقع قريبة من الأحياء السكنية والزراعية، بعضها يعمل دون الحصول على الموافقات البيئية الرسمية. هذه المنشآت باتت مصدرا رئيسيا للتلوث الهوائي وتدهور التربة والمياه الجوفية، في وقت تحذر فيه الجهات البيئية والناشطون من عواقب استمرار هذا الوضع دون معالجة، وسط مطالب بتطبيق القانون واتخاذ إجراءات حاسمة للحد من الأضرار البيئية المتفاقمة.

ويقول مدير بيئة الأنبار، قيس ناجح خلال حديث لـ(المدى ) إن "هذه المنطقة تواجه حاليا حملا بيئيا متزايدا نتيجة تركز عدد كبير من المعامل، بعضها قديم أنشئ منذ سنوات، والآخر حديث تم نقله مؤخرا من منطقة الكرمة"، مبينا أن "المعامل القديمة أغلبها حاصلة على إجازات رسمية، أما المعامل الجديدة في معظمها غير مجاز، ما زاد من الضغط البيئي، خاصة مع الزحف العمراني باتجاه هذه المنطقة".
ويضيف أن "أبرز مصادر التلوث هي انبعاثات الهواء الناتجة عن صناعة الجص، والتي تؤثر بشكل مباشر على البيئة وصحة السكان، وقد أجرت مديرية بيئة الأنبار عدة زيارات ميدانية، وتم اتخاذ إجراءات قانونية بالتعاون مع السيد محافظ الأنبار وقائممقام قضاء الرمادي، كما تم إشعار الجهات الأمنية لمرافقة الفرق البيئية في مهامها".
ويؤكد ناجح، أنه "تم توجيه إنذارات رسمية للمعامل غير المجازة بضرورة التوقف الفوري عن التشغيل لحين استحصال الموافقات البيئية، كما وجهت إنذارات أيضا إلى بعض المعامل المجازة لعدم التزامها بتركيب مرسبات الغبار، وهي مخالفة تؤثر على البيئة المحيطة وتتطلب المعالجة الفورية".
من جهته، يبين المختص بالشأن البيئي، صميم سلام أن "معامل الجص والأسفلت تشكل مصدرا خطيرا للتلوث الهوائي، لما تطلقه من انبعاثات دقيقة تؤثر مباشرة على الصحة العامة والبيئة، التلوث الناتج عن هذه المصانع، خاصة معامل الجص، يعد من أشد أنواع التلوث تأثيرا، نظرا لانبعاث جسيمات دقيقة تعرف بجسيمات (PM2.5) والتي تخترق الجهاز التنفسي بسهولة وتسبب أمراضا خطيرة مثل التهابات الرئة، انسداد الأغشية التنفسية، الحساسية الجلدية، والتهاب العيون".
من الناحية القانونية، يوضح المختص بالشأن البيئي، انه "لا يحق لأية منشأة استثمارية ممارسة النشاط الصناعي دون استحصال تقرير الأثر البيئي والموافقة البيئية الصادرة عن الجهات المختصة، بموجب قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009، ومع ذلك، نجد أن العديد من هذه المعامل غير مجازة فعليا، رغم امتلاكها لموافقات استثمارية لا تخولها البدء بالعمل دون التقرير البيئي والموافقة البيئية الصريحة".
ويشير سلام إلى أن "هناك تقصير واضح وأحيانا تغاض متعمد من بعض الجهات النافذة، التي تعمل دون الالتزام بالمحددات البيئية، مما يشكل تهديدا مباشرا لصحة السكان وسلامة البيئة، بسبب الانبعاثات المتصاعدة من هذه المصانع التي لا تتوقف عند التأثير على الإنسان فحسب، بل تمتد لتؤثر على الثروة الحيوانية والزراعية، حيث تتراكم الملوثات على المحاصيل الزراعية غير المعالجة، وتتسرب بعض المواد الخطرة كالنفتا والنفط الأسود إلى المياه الجوفية والتربة، محدثة تلوثا طويل الأمد".
ويضيف أن" كثيرا من هذه المصانع أنشئت داخل أو قرب المناطق السكنية، وهو ما يعد مخالفة واضحة، إذ تلزم المحددات البيئية بوجود مسافة فاصلة لا تقل عن 18 كم بين أي منشأة صناعية كبرى وأقرب منطقة مأهولة بالسكان".
ويلفت إلى أن "ما يزيد من خطورة هذه المنشآت أنها تقع أحيانا في اتجاه الرياح السائدة نحو المدن، ما يؤدي إلى تركز الغازات الثقيلة داخل الأحياء السكنية، خصوصا في فترات ضعف حركة الرياح، مسببة حالات اختناق، وتهيجات تنفسية، خاصة للمرضى المصابين بالربو والحساسية".
ويؤكد المختص بالشأن البيئي،أن "الدور الرقابي وحده لا يكفي، ولا بد من تفعيل الجانب التنفيذي، أي اتخاذ إجراءات حازمة بإيقاف أو إزالة الأنشطة الصناعية المخالفة، ولا يمكن أن نكتفي بزيارات أو إنذارات شكلية في ظل الأضرار البيئية المتزايدة، إنما المطلوب دعم حقيقي لدوائر البيئة، وإرادة حقيقية لدى الجهات الحكومية لإيقاف التلوث ومحاسبة المخالفين، مهما كانت مواقعهم أو نفوذهم".
إن معالجة آثار التلوث الصناعي في الأنبار ضرورة ملحة تفرضها الاعتبارات الصحية والبيئية والمجتمعية، فاستمرار تشغيل المعامل دون استيفاء الشروط البيئية يشكل تهديدا مباشرا لصحة الإنسان وسلامة البيئة، وفي ظل تزايد حجم المخاطر، يصبح من الضروري تفعيل أدوات الرقابة والتنفيذ، واتخاذ إجراءات واضحة لضمان التوازن والحفاظ على البيئة وفق القانون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram