TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هل سنسمح بخنق التعليم الحكومي في العراق؟

هل سنسمح بخنق التعليم الحكومي في العراق؟

نشر في: 18 أغسطس, 2025: 12:03 ص

محمد الربيعي*

لقد اصبح تنامي الجامعات والكليات الاهلية في العراق ظاهرة مقلقة تشبه انتشارا متسارعا يهدد جوهر التعليم العالي. فلم تعد هذه المؤسسات مجرد خيار مكمل، بل باتت تهيمن على المشهد التعليمي، وتستحوذ على اعداد متزايدة من الطلاب، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل التعليم الحكومي المجاني.
ان هذا التوسع غير المسبوق للتعليم الاهلي يتزامن مع سياسات خصخصة التعليم الحكومي، من خلال برامج التعليم الموازي والمسائي. هذا التوجه ينذر بمستقبل قد يصبح فيه العراق من الدول القليلة التي يحرم ابناؤها من حق التعليم المجاني. ففي ظل تحالف مصالح مشبوهة بين اصحاب رؤوس الاموال الفاسدة والمسروقة وبعض قيادات الاحزاب، يتم انشاء هذه الجامعات الجديدة بوتيرة متسارعة، مستغلين بذلك حاجة المجتمع للتعليم.
ذريعة "التكامل" ومراوغة الواقع
قد يبرر البعض هذا التوسع بان التعليم الاهلي اصبح ضرورة ملحة لاستيعاب الاعداد الهائلة من الطلاب التي لا تستطيع الجامعات الحكومية استيعابها بمفردها. لكن هذا التبرير يحمل في طياته تناقضا صارخ. لماذا توقف التعليم الحكومي عن التوسع؟ لماذا توقف بناء جامعات جديدة او زيادة القدرة الاستيعابية لحد ما للموجود منها؟ ولماذا ترك المجال على مصراعيه للتعليم الاهلي ليأخذ دورا قياديا ويتوسع بلا حسيب او رقيب، بينما يراوح التعليم الحكومي في مكانه، جامدا وغير قادر على مواكبة التطور؟
ان هذا الجمود الحكومي ليس محض صدفة، بل هو نتيجة تجاهل متعمد او تواطؤ صريح يهدف الى افساح المجال امام الاستثمار الخاص في قطاع التعليم. وهكذا، يتحول التعليم من حق اساسي الى سلعة تباع وتشترى، مما يهدد بمستقبل تقسم فيه الفرص التعليمية بناء على القدرة المالية، لا على الكفاءة او الاستحقاق.
السبيل للانقاذ
لقد اثبت التاريخ القريب ان المطالبات الشعبية يمكن ان تحدث فرقا. ففي الماضي، كانت الضغوط المطالبة بانشاء جامعات حكومية في مناطق خارج مراكز المحافظات قد اجبرت الدولة على الاستجابة، ونشأت جامعات مثل سومر والفلوجة وتلعفر والحمدانية والشطرة. فلماذا توقفت هذه المطالبات الحيوية اليوم؟
ان الحل لمواجهة هذا "السرطان" الذي ينهش جسد التعليم الحكومي يكمن في عودة المطالبات الشعبية بقوة. يجب على السلطات المحلية في كل انحاء العراق، بدعم من الجماهير المطالبة بأنشاء جامعات وكليات حكومية جديدة في مراكز الاقضية وفي كل منطقة تظهر حاجة لذلك. الاهم من ذلك، يجب المطالبة بزيادة اعداد المقبولين في الجامعات الحكومية المجانية، وتوسيع طاقتها الاستيعابية بشكل جذري وواسع، لجعلها قادرة على استيعاب الاعداد الهائلة من الطلاب وعلى المنافسة العددية والحقيقية للجامعات الاهلية. التعليم الاهلي ليس مكملا للتعليم الحكومي لان الاول مجاني والثاني تجاري، ففي الاول تدرس وتنجح لتأخذ الشهادة اما في الثاني فتدفع الاجور لتأخذ الشهادة.
علاوة على ذلك، ينبغي العمل على وقف الزيادة العشوائية في الجامعات الاهلية وتحويلها تدريجيا الى مشاريع غير ربحية تخدم المجتمع بدلا من تحقيق الارباح الطائلة على حساب مستقبل الشباب.
اجعلوا التعليم اولوية انتخابية
ندعو الجماهير في الاقضية والنواحي ومجالس المحافظات الى الضغط المستمر من اجل توسيع التعليم الجامعي الحكومي في مناطقهم. يجب ان يصبح هذا المطلب اولوية قصوى عند انتخاب اي مرشح لمجلس النواب. فمستقبل الاجيال القادمة، ونهضة العراق ككل، يعتمدان على وجود نظام تعليمي حكومي قوي ومجاني ومتاح للجميع. لا تدعوا ثروات العراق تسرق مرتين: مرة من خزينة الدولة، ومرة اخرى من عقول ابنائها.
* بروفسور متمرس ومستشار دولي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. ا.د.افتخار محمد

    منذ 4 شهور

    مقالة وأطال من صناع القرار قراءتها بتمحص وتطبيقها في الواقع العراقي فعلا بروف محمد يحتاج التعليم العالي الحكومي بالذات والأولى بشكل عام إلى توسيع مدياته في مناطق الاقضية والنواحي وصولا إلى القرى لأجل شمول أبناء العراق في التعليم المحاني ويبقى من يرغب ...

  2. اد.البيومي إسماعيل الشربيني

    منذ 4 شهور

    العراق أنموذجا لكل ما يجري بدول ومحميات الوطن العربي. تم القضاء على الاشتراكية لصالح الرأسمالية النهضة.وغدت الشعوب ضحية مابين مطرقة الحكومات،وسندان أكشاك بيع الشهادات بالجامعات الأهلية.

  3. غازي التميمي

    منذ 4 شهور

    أتفق معك يادكتور في مضمون إتاحة فرص التعليم الجامعي الحكومي لأفراد ومواطني البلد، لكني لا أرى ضيراً أو ضرراً في فتح آفاق التعليم الأهلي أمام الراغبين بالالتحاق به، ولكن بشرط أن لا تكون الجامعات الأهلية بشكلها الحالي المحزن والذي لايليق ببلد مهد الحضارات

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram