TOP

جريدة المدى > عام > رقصة الفستان الأحمر على أنغام الأغنية البغدادية

رقصة الفستان الأحمر على أنغام الأغنية البغدادية

نشر في: 18 أغسطس, 2025: 12:01 ص

علاء المفرجي
كتاب الشاعر والناقد الموسيقي علي عبد الأمير (رقصة الفستان الأحمر الأخيرة) أفرد فيه فصلا مهما عن الأغنية البغدادية، تتبع فيه مسارها وتحولاتها الجمالية وألوانها إبتداء منذ منتصف القرن الماضي، وأعني ذات اللهجة والروح البغدادية المتسيدة فيها بفعل أسباب كثيرة.
وثمة عنصر بارز وجب التنويه إليه، فالكتاب حين عنى بتتبّع ألوان النغم الحديث، فإنه أدرك عدم إتصالها بالمقام العراقي كفن نغمي قائم بذاته، والذي أفرد له فصلا تضمن قراءة لخبرات الأداء والتلقى، والأثر النفسي والهوية النغمية العراقية، حيث ان البحث ذهب إلى رصد الظواهر التي عنت بمحمولات اجتماعية، وكشفت عن تحولات ذوقية في الأداء والتلقي، وتحديداً موضوعات تتعلق برصد ملامح الحداثة في الحياة الموسيقية العراقية ونكوصها 2015-1940، بوصفها دلالات اجتماعية. وتأسيساً على هذا، فإن الكتاب محاولة في تأصيل منهج نقدي يتعاطى مع الأنغام بوصفها مَلمحاً اجتماعياً، وليس مجرد نتاج صوتيّ معقّد في تركيب عناصره الفنية. إنه كتاب يقرأ الأغنيّة والموسيقى، بوصفهما "باروميتر" الوعي الاجتماعي والثقافي للفترة التي أنتجتهما.
يتناول الكتاب أهم الأسماء التي رسخت هذا اللون الأصيل من الغناء العراقي، مثل محمد نوشي، محمد عبد المحسن، رضا علي، أحمد الخليل، عباس جميل، فضلا عن مروره بالأصوات العراقية والعربية التي تعاملت معها هذه الأسماء: زهور حسين، وحيدة خليل، مائدة نزهت، فائزة احمد، راوية، نرجس شوقي، سعاد محمد وأخريات.
والتركيز على الأغنية البغدادية، هو للجم بعض الأصوات التي ومن دون معرفة بالموسيقى ومحمولاتها الاجتماعية، يحاول يهمش هذا الأثر الفني الجميل ويلغي تأثيره الواضح على اللحنية العراقية.
ويحيلنا كتاب علي عبد الأمير إلى استذكار نهضة العاصمة العراقية وروحيتها التي كانت حاضرة في أكثر من نتاج ثقافي، وكيف كان رهط الملحّنين، رضا علي، ويحيى حمدي، وأحمد الخليل، وسالم حسين، وصولاً إلى محمد نوشي، يُعكسون ملامح المدينة، ويسكبون روحيتها في ألحان لطالما شكّلت علامة فارقة في الغناء العراقي، الذي طغت عليه ملامح الريف والبداوة بعد مرحلة ثورات "التحرر الوطني" التي بدأت العام ١٩٥٨.
وأبرز ما ميّز مرحلة الغناء المديني البغدادي مسحة من الفرح والتعبير الراقي عن المشاعر، والانفتاح على ألوان لحنية عربية وغربية من دون أن يعني ذلك الخروج عن القالب الأصيل الذي كان يتغذّى من المقام العراقي. كما تميّزت مرحلة الغناء البغدادي 1970-1940، بميزة لافتة، عكست الانفتاح الاجتماعي الذي عاشته المدينة العراقية، فكانت الأصوات النسائية تلون النغم، وتطبعه برقة نادرة حتّى إن أصواتاً نسائية عربية، مثل: راوية، ونهاوند، وزكية جورج، ونرجس شوقي ونازك، وفائزة أحمد، ونجاح سلام، وجدت في بغداد ينبوعاً لحنياً متجدّداً، يوقّره جهد ملحّنين من قماشة أحمد الخليل، ورضا علي، ووديع خوندة (سمير بغدادي)، ويحيى حمدي.
ويناقش المؤلف في كتابه إن كانت الأغنية البغدادية لوناً غنائياً هجيناً أم أصيلاً، فيذكر قول الباحث والموسيقي حسين قدروي "الأغنيّة البغدادية نقية، ولون ترعرع وانتشر ضمن الأجواء البغدادية، ولم تتأثّر بأيّ تيار غنائي وافد، عكس الأغاني التي وردت فيما بعد بتأثيرات عديدة وواضحة". أما صاحب أحد التجارب البارزة فيها الملحّن القدير الراحل عباس جميل، فيرى إلى هذا السجال المهمّ عن "أصالة" الأغنيّة البغدادية بقوله:
"أول مَنْ جاء بالغناء الريفي المطربان حضيري أبو عزيز وداخل حسن، حاملين في طيات غنائهما علامات الحزن ومقامات الصبا والحجاز، ومع ظهورهما، أصبحت الأغنيّة البغدادية تأخذ الجوانب الريفية في اللهجة، فهي أثّرت، ولكنها لم تؤثّر في أسلوب مقاماتها وطرق الأداء، نعم، الأغنيّة الريفية أدّت دوراً، ولكن الأغنيّة البغدادية ظلّت محافظة على أصولها الفنية؛ لأن مراجعها مقامية، والريفية مراجعها هي الأطوار الريفية، وكل واحدة كان لها أسلوبها الخاص، وبرغم انتشار الأغنيّة الريفية إلا أن الأغنيّة البغدادية لم تنته، والدليل هو وجودها في بيت المقام العراقي، وفي معهد الدراسات الموسيقية، فهي تدرّس هناك. وثمة ملحّنين جمعوا بين أسلوب المدينة والريف، وتجسّد هذا في الغناء الذي ظهر في السبعينيات، وأهم مَنْ غنّوا بهذا الأسلوب: حسين نعمة، رياض أحمد، وسعدون جابر، وهؤلاء جمعوا في أغانيهم بين الطريقة الريفية والطريقة المقامية، بشكل عام".
ويكفي أن الأغنية البغدادية برموزها اللحنية الكبيرة استطاعت ان تستقدم، خيرة الأصوات العربية وخاصة الأصوات النسائية، من أن تقدم أجمل اغانيها. وهو ما عجز عنه الملحنون من ألوان الغناء العراقي الأخرى، باستثناء الملحن الراحل طالب القرة غولي، الذي كانت له محاولات عدة لكنها لم تصب الشهرة والذيوع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram