دهوك/ سوزان طاهر
تتصاعد في كركوك حدّة السجال عقب خلافات تجدّدت بشأن اتفاق مفترض لتدوير المناصب السيادية (المحافظ ورئيس مجلس المحافظة) بين المكونات الرئيسية للمحافظة، العرب والكرد والتركمان، بعد تقاطع في التصريحات وتسريبات متباينة حول مدى وجود هذا الاتفاق وإمكانية تطبيقه، وسط مخاوف من أن غياب التفاهم يقود باتجاه أزمة مؤسّساتية جديدة تهدّد استقرار المحافظة، التي تعد من أكثر مناطق البلاد حساسية.
وتشكلت حكومة كركوك بعد خلافات عميقة بين مكوناتها، امتدت لنحو 10 أشهر بعد الانتخابات التي جرت نهاية 2023، وبعد تدخل مباشر من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حيث عُقدت جلسة تشكيل الحكومة في 9 أب أغسطس2024، إذ جرى انتخاب ريبوار طه، من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، محافظا، ومحمد الحافظ، عن المكون العربي، رئيسا لمجلس المحافظة، وإبراهيم تميم، نائبا للمحافظ، وإنجيل زيا، عن جماعة بابليون المسيحية بزعامة ريان الكلداني، مقررة لمجلس المحافظة.
وقاطع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والقوى التركمانية وتحالف السيادة الحكومة الجديدة في كركوك، وسط تأكيدات في وقتها عن اتفاق لتدوير المناصب السيادية.
وعاد الخلاف مجدداً بعدما ظهر عضو مجلس محافظة كركوك عن الاتحاد الوطني الكردستاني أحمد كركوكي في لقاء متلفز نفى فيه رواية رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، بشأن وجود اتفاق لتدوير منصب المحافظ بين المكونات الثلاثة.
وقال أحمد إن "المحافظ الحالي ريبوار طه سيبقى في منصبه، لحين انتهاء ولايته، ولا يوجد اتفاق بين المكونات الثلاثة، العرب والكرد والتركمان، لتدوير المناصب فيما بينهم".
في المقابل، رد وزير التخطيط العراقي والقيادي في حزب “تقدم” عن محافظة كركوك، محمد تميم، على تصريحات كركوكي، بالقول: إن الاتفاق وقعه زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، وأن ولاية المحافظ الحالي، ريبوار طه، تنتهي في نهاية العام الجاري.
العرب والتركمان حصلوا على مناصب مهمة
إلى ذلك يرى عضو الاتحاد الوطني الكردستاني شيرزاد صمد أن مدينة كركوك مستقرة وأمنة، والمحافظ الحالي ريبوار طه، يتعامل مع جميع المكونات بنفس المستوى، ولا يفرق إطلاقاً.
وأوضح في حديثه لـ(المدى) إلى إن "العرب والتركمان حصلوا على مناصب لم يحصلوا عليها طيلة السنوات الماضية، والاتحاد الوطني التزم بتنفيذ ورقة الاتفاق السياسي".
وأشار إلى أن "المحافظ الحالي ومن خلال إدارته وتعامله الحسن مع جميع أبناء كركوك، أعاد الاستقرار للمدينة، وتشهد حالياً استقراراً على جميع المستويات الخدمية والإدارية والأمنية، وهذا كان غائباً في الفترة السابقة، ومن المهم الحفاظ على هذا الاستقرار، وعدم استخدم كركوك كمادة للدعاية الانتخابية".
اتفاق غامض
من جهة أخرى يؤكد نائب رئيس الحرك القومية التركمانية عباس أوغلو أن الاتفاق الذي جرى في فندق الرشيد كان من أساسه غامضاً، وبالتالي كل ما حصل بعده هو باطل، ولم يحظ بإجماع القوى السياسية، ومكونات كركوك. وبين في حديثه لـ(المدى) أن "التركمان تعرضوا للظلم الكبير، سواءً في تسمية منصب المحافظ، أو حتى على مستوى المناصب الأخرى، والتدوير كان هو الحل الأمثل لمشاكل كركوك، لأنه يتيح لجميع المكونات المشاركة بإدارة المدينة".
وأضاف أن "طرفاً ما يريد الاستحواذ على كركوك، وحكمها من طرف واحد، وهذا أمر غير ممكن، لأنه يتعارض مع فكرة التعايش السلمي، ولا حل لمشاكل المدينة، إلا بتدوير المناصب الرئيسية، منصب المحافظ ورئيس المجلس، فضلاً عن تقسيم المناصب الأخرى، الأمنية والإدارية بنسبة 32% لكل مكون من مكونات المدينة".
ويتكون مجلس محافظة كركوك من 15 عضوا إلى جانب رئيس المجلس، 9 منهم منخرطون في كتلة إدارة كركوك، فيما يقاطع 7 أعضاء، وهم 3 من العرب، و2 من الحزب الديمقراطي الكردستاني، و2 من المكون التركماني، وفي حال انضم عضوان من المجلس إلى صفوف المقاطعين، فإن مجلس كركوك سيصاب بالعطل والشلل التام، لعدم قدرته على تحقيق النصاب المطلوب لعقد الجلسات الاعتيادية.
وبحسب نتائج انتخابات مجالس المحافظات في كركوك التي جرت عام 2023، فإن الاتحاد الوطني الكردستاني، حصل على خمسة مقاعد، والحزب الديمقراطي الكردستاني، حصل على اثنين، وستة مقاعد للمكون العربي، واثنان للجبهة التركمانية، ومقعد واحد للمكون المسيحي.
وطُرحت فكرة تدوير المناصب في كركوك بعد تعثر تشكيل حكومتها الأخيرة، واستمرار الخلاف أشهراً عدّة بشأن المناصب السيادية فيها وانعدام الحلول، ويقوم الاتفاق على أن تتناوب المكونات الثلاثة على إدارة منصب المحافظ ورئيس المجلس، مع ضمان تمثيل جميع القوى السياسية وإعادة بناء الثقة بين المكونات.
تنافس انتخابي
في سياق آخر يشير الباحث في الشأن السياسي نصير العبيدي إلى أنه من الصعب تنفيذ عملية تدوير منصب المحافظ، لأن الاتحاد الوطني الكردستاني سيحاول الاحتفاظ بالمنصب.
وذكر في حديثه لـ "المدى" إلى أن "الاتحاد الوطني الكردستاني رأى في استعادة منصب المحافظ فرصة ذهبية، وبالتالي لن يتنازل عن المنصب بسهولة، حتى لو كان هناك اتفاقاً للتدوير، خاصة في ظل تحسن العلاقات بينه، وبين الحزب الديمقراطي، ما يمكنه عملياً وحسابياً من الحفاظ على الأغلبية في مجلس المحافظة".
وأردف أن "إثارة هذا الموضوع في هذا التوقيت هو لغايات انتخابية، بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، وبالتالي كل طرف سياسي، يحاول إبراز قوته أمام جماهيره".










