TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سقوط الأنظمة السياسية..

سقوط الأنظمة السياسية..

نشر في: 19 أغسطس, 2025: 12:03 ص

سلام حربه

متى تسقط الأنظمة السياسية، وما هي المؤشرات على انهيار أي نظام سياسي.. ؟
من يتصفح تاريخ البشرية سيجد أن لا نظام سياسي يدوم الى الأبد ولكن تغيير هذا النظام واستبداله بنظام ثان يختلف من بلد الى آخر حسب منهج هذا النظام وطبيعة قوانينه الاقتصادية والاجتماعية ونوع القوى السياسية التي تحكمه سلفية التفكير أم مدنية علمانية والخطوات والقرارات التي يتخذها عادلة كانت أم ظالمة، والتركيبة الاجتماعية وحجم الفوارق بين الفئات والطبقات والأفكار السائدة المتداولة بين الناس..يكفي أحيانا أن تتامل نظاما سياسيا لتشعر أن هذا النظام آيل للسقوط اليوم أو غدا وخاصة في البلدان النامية التي تعيش الفوضى بأبهى صورها مع غياب الديمقراطية واعتماد البلد على الريع في سياسته الاقتصادية والارتجالية والفردية في اتخاذ القرارات السياسية التي تنسجم فقط مع سياسة هذا القائد أو الحزب وتحفظ مصالحهما الشخصية والفئوية.
هناك قانون فلسفي أثبت صحته في كل الأزمنة والعصور وأصبح ملزما ليس في الجانب السياسي بل في كل مفاصل الحياة والمجتمع والتغيير الذي يبشر به يختلف حسب التداعيات الخطيرة والتراجعات الفوضوية، هذا القانون هو (التغيرات الكمية تؤدي الى تغيير نوعي) هذا يعني أن الانهيارات المتلاحقة التي تحصل في الحياة السياسية والاجتماعية من ظلم وجور وحروب وفساد مالي واداري وخراب مؤسسات ومصادرة حريات الناس وتكميم أفواههم، هذا النكوص ليس الى ما لا نهاية بل سيصحو المواطن يوما ليجد أن الحال قد تبدل مئة وثمانين درجة وقد زرع في رحم النظام السابق نظام جديد لا علاقة له بالقديم ويختلف عنه في كل الميادين السياسية والاجتماعية والقانونية وحتى في نمط الأفكار التي ستسود وتهيمن على عقول الناس. الأمثلة عبر التاريخ لا تعد ولا تحصى وفي كل بقاع العالم وتبرز بوضوح أكبر في بلدان العالم الثالث وخاصة في العالم الاسلامي حيث تتهاوى الأنظمة رغم أنها مدججة بالأسلحة والجيوش والمؤسسات الأمنية والاستخبارية لكنها غالبا ما تكون منخورة من الداخل وقد أوصلت المواطن الى حالة من العجز والهوان والتردي جعلته يتمنى أن تأتي أي قوة ولو غازية كي تخلصه من هذا الحال البائس.
الأمثلة كثيرة وجاهزة ومنها ما حصل في العراق والسقوط المدوي لنظام صدام حسين رغم ماكنته العسكرية الضخمة لأن من أسقط هذا النظام ليس الماكنة العسكرية الامريكية والغربية والتآمر العربي فقط بل تشفي المواطن بهذا النظام الذي أوصله لحال أن يرضى بأي نظام ولو كان محتلا أو صهيونيا مقابل أن يتخلص من قبضته المميتة الخانقة لعقود من السنين وهو دائما ما كان يردد في العلن والخفاء أن الشعب يريد اسقاط النظام. وكذا الحال ما حصل في سوريا حين انهار النظام في أيام معدودات أمام مجاميع مسلحة ارهابية حيث كان النظام خاويا وينتظر أية دفعة ومن أية قوى داخلية كانت أو خارجية لينهار بمنظوماته الكارتونية العسكرية والأمنية التي أذاقت الشعب الويلات والدمار. هذا الأمر لا يشمل الانقلابات العسكرية أو المدنية في بعض الدول حين يحاول بعض أركان النظام أن يبدلوا الوجوه التي أصبحت قميئة ومكروهة ومنفرة من الشعب باحداث انقلاب وتغيير بعض القادة والسياسيين واجراء بعض الاصلاحات هنا وهناك لكن يبقى منهج النظام القديم قائما وغالبا ما تتم هذه الانقلابات بالاتفاق مع القوى الاستعمارية والصهيونية التي تتسيد في المنطقة وتتحكم في عموم قراراتها.
التغيير النوعي الذي حصل في العراق وسوريا وغيرها من البلدان حتمي، وجود بدأ بالتعارض مع السياسات الاحتكارية في العالم وقد تشكل هذه البلدان خطرا على مشاريعها الاستعمارية والنوايا التوسعية الصهيونية فتعمل على استغلال النقمة الشعبية والضغط المتزايد منها على هذه الانظمة وتعميق أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى يشعر المواطن في النهاية أن لا سبيل لهذه الأنظمة الا بتغييرها فتعمل جيوش الاستعمار والراسمال والصهيونية باسقاط أجنداتها العدوانية والدينية الزائفة وبدعم القوى العميلة التي تزرعها في الداخل وتفكيك كل المفاصل الاساسية المتحكمة بهذه البلدان بحيث تصبح كسيحة وذليلة وأداة رخيصة بيد المحتل يوجهها كيفما يشاء وهذا ما نراه اليوم جليا وواضحا في اسقاط النظام السوري وكيف أن هذا البلد قد أضاع بوصلة مستقبله وأصبح نهبا للأطماع الأجنبية، هذا البلد من أعرق البلدان ودمشق من أقدم عواصم العالم لا يعرف أحد ما ستؤول الامور فيها واسرائيل يوميا تقضم العديد من أراضيها والاشارات جميعا تُنبأ بأن هذا البلد ذاهب الى التقسيم والتشظي وهذا ما يتحمله بالدرجة الاساس سياسات نظام الاسد السابق الذي يبدو أنه لم يقرأ التأريخ ولا منطقه ولا فلسفته وأن الخراب والفساد واساليب الموت العديدة التي انتهجها النظام لن تدوم الى الابد. هذه المقدمة وتقليب الصفحات هما دق جرس وتنبيه الى ما يحصل في العراق منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، الفساد والخراب والفوضى ونظام المحاصصة البغيض والطائفية النتنة والعرقية الشوفينية القذرة هي من تتحكم بسياسة هذا البلد منذ اثنين وعشرين عاما، يبدو أن سياسينا ليسوا وطنيين وليس لهم بعد نظر في السياسة، من غير الممكن أن يتم تجاهل مطالب الشعب الى ما لا نهاية.
كانت انتفاضة تشرين جرس انذار الى القوى السياسية والاحزاب الطائفية والعرقية أن تصحح من نهجها العدائي تجاه الشعب وأن تراجع خططها وسياساتها وبرامجها كي تنقذ نفسها والبلد من مأزق خطير قد تتعرضان له في أية لحظة، ماحصل هو أن معظم القوى الحزبية الماسكة بالسلطة أخذتهم العزة بالاثم وتوقعوا أن امبراطوياتهم المالية وسلاح ميلشياتهم ستجعلهم بعيدا عن النار التي ستحرق الأخضر واليابس، هم لم يقرأوا الواقع جيدا والتغيير النوعي على الأبواب لأن ما اقترفوه من تغييرات كمية قد فاقت الحسابات وجرّد المواطن من كل أسلحته حتى من صوته وما زال الموت يحصد كل من يعارض النظام وقد قدمت انتفاضة تشرين ثمنمئة شهيد والاف الجرحى وبنهجهم أصبح الفساد ثقافة اجتماعية والخراب على قدم وساق، اليوم أفضل من الغد والأزمات في البلد تتفاهم سياسيا واقتصاديا ووجوديا، العقول غزتها الخرافات والأوهام ولا مكان للتفكير العقلي والمجتمع مهيأ أن يغدوا قطيعا، لا خدمات لا صناعة ولا زراعة ووصل الامر أن مياه الشرب أصبحت عسيرة على المواطن في بلد لديه نهران، والبؤس يضيق ويضيق على رقبة المواطن والتنفس أصبح عسيرا.
السياسيون لا يرون ما يحاك عند حدود البلد وداخله من مؤامرات امريكية صهيونية تركية خليجية لتغيير نظام الحكم بدأت تحاصر وجوده بشدة من قطع المياه الى منع تصدير النفط الى ساعة صفر حين تأمر السياسة الأمريكية المتهورة الهيمنة على واردات النفط العراقية ومنع وصول الاموال الى الخزائن العراقية حينها سيشعر السياسيون أن خط نهايتهم قريب وأن المواطن العراقي سيبقى متشفيا بهم وينظر الى سقوطهم كما راقب اندحار النظام السابق وربما سيكون مصير العراق، وهذا ما لا نتمناه ولن نقبل به ونقف ضده بكل ما نملك، اسوأ من مصير سوريا لان النظام الحالي خسر أول ما خسر تأييد المواطن العراقي له، هناك مستفيدون من هذا النظام، لكن غالبية الشعب في وضع مأساوي وربما يصحوا يوما أن بلاد ما بين النهرين، الله يبعد الشعب عن هكذا أيام، مجرد اسم موجود في كتب التاريخ وقد يتشظى ويقسم خاصة أن الاعداء المحيطين به وبعض الاقليات الموجودة داخله تتمنى خرابة ودماره وتعمل هي مع المخطط الامريكي الصهيوني من أجل تحقيق مصالحها العنصرية الشوفينية والحزبية. مشكلة العراق هذا النظام السياسي الطائفي الذي لا يرى ولا يسمع وسادر في غيه، لكن من يتصفح تأريخ العراق يصل الى يقين أن هذا البلد عصي على الموت وكل ما يرجوه العراقي أن يتخلص من هذه الوجوه السياسية القبيحة واصلاح ما يمكن اصلاحه قبل أن تحل الكارثة ويحصل التغيير النوعي المسخ ويذهب كل شيء الى العدم..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram