السماوة / كريم ستار
في قلب السماوة، تقف عمارات «الإسكان» شاهدة على عقود من الإهمال. مشروع عمراني شُيّد ليستوعب عائلات الطبقة الوسطى، لكنه تحوّل اليوم إلى بيئة خطرة، تفتقر إلى الأمن والخدمات الأساسية.
يخيّم الظلام على الممرات منذ أكثر من عشرين عاماً، فيما تغيب الشرطة عن الحراسة، لتصبح المساحات المفتوحة مأوى للمتعاطين ومرتعاً للجرائم. وتقول أم علي، ربة منزل: «أخشى على أطفالي من الكلاب ومن الظلام. حتى داخل العمارة نخاف من الأسلاك المكشوفة».
يؤكد حسين باسم، أحد السكان، أن المجمع كان «نموذجياً قبل عام 2003 بحدائقه وخدماته»، لكن الإنارة «غابت منذ عقدين»، مضيفاً أن «جرائم قتل وقعت داخل العمارات نتيجة غياب الشرطة، وساعد الظلام على انتشارها».
وتبقى الكلاب السائبة هاجساً يومياً، إذ يروي الأهالي حوادث اعتداء على الأطفال، بينها حالة طفلة تعرضت لعضة كلب مسعور. يقول حسين: «نعيش في رعب دائم، فما بالك بالنساء والأطفال؟».
أوضاع اقتصادية متردية
إلى جانب المشكلات الأمنية، يعيش أغلب القاطنين أوضاعاً اقتصادية صعبة. معظمهم مستأجرون لا يملكون بدائل، وتبلغ بدلات الإيجار بين 175 و225 ألف دينار شهرياً، وهو مبلغ يعد منخفضاً قياساً بمناطق أخرى لكنه يعكس محدودية الدخل.
عند سؤال الجهات المعنية، تُلقي مديرية الدفاع المدني المسؤولية على البلدية، بينما تؤكد الأخيرة أن العمارات ملك صرف للسكان بعد بيعها من دائرة الإسكان، ما يعني أن إعادة التأهيل «ليست ضمن صلاحياتها المباشرة». هذا التنازع يترك السكان عالقين بين وعود مؤجلة.
أما محاولات الاستثمار فقد انتهت إلى الفشل. آخرها مشروع لمستثمر تركي تعهّد ببناء عمارات جديدة وتحمل إيجار العائلات لسنتين، لكنه انسحب بعد أسبوع واحد عقب مطالبة بعض أعضاء مجلس المحافظة بحصص من المشروع، وفق روايات الأهالي.
رغم الإهمال، يتميز المجمع بموقع استراتيجي وسط السماوة قرب مبانٍ حكومية ومرافق حيوية. ويشير السكان إلى مفارقة أن سعر المتر المربع في الأحياء المجاورة يقدَّر بمليوني دينار، بينما يظل المجمع غارقاً في الخراب وكأنه خارج حسابات الدولة.
ويقول أبو كرار، وهو من سكان العمارات منذ الثمانينيات: «هذا المجمع بُني ليكون حلماً للطبقة الوسطى، لكنه اليوم كابوس. تعبنا من الوعود؛ حياتنا مهددة يومياً».
في المحصلة، تتحول عمارات «الإسكان» إلى شاهد على عجز إداري وإهمال ممتد، فيما ينتظر السكان خطوات عملية تعيد الأمن والخدمات وتُنهي واقعاً معقداً عمره عقود.










