المدى/ يمان الحسناوي
في مشهدٍ تتقاطع فيه الحسابات السياسية مع التحديات الأمنية، يعود ملف الوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى الواجهة من جديد. فبينما تؤكد الحكومة أن الانسحاب المرتقب للتحالف الدولي يمثل “إنجازاً وطنياً” ودليلاً على قدرة القوات العراقية في التصدي للإرهاب منفردة، تُبدي لجنة الأمن والدفاع النيابية قلقها من تداعيات هذه الخطوة على الاستقرار الداخلي والإقليمي، خاصةً مع اشتعال بؤر التوتر في الجوار السوري واللبناني.
ومع تزايد الحديث عن قرب سحب مئات الجنود من قاعدة عين الأسد، تُطرح أسئلة مصيرية حول مستقبل الشراكة مع واشنطن: هل هي نهاية مرحلة قتالية، أم بداية لمرحلة جديدة أكثر غموضاً تحت مظلة “التعاون الاستشاري والأمني”؟
لجنة الأمن والدفاع النيابية بيّنت طبيعة الوجود العسكري الأمريكي في العراق خلال المرحلة المقبلة، معبّرةً عن قلقها من التقارير التي تتحدث عن قرب انسحاب التحالف الدولي.
عضو اللجنة ياسر إسكندر، خلال حديثه لـ(المدى)، قال إن هناك مخاوف حقيقية من قضية قرب انسحاب التحالف الدولي من العراق، خاصةً في ظل عدم وجود استقرار أمني في عموم المنطقة. فهذا الانسحاب ربما يدفع نحو زعزعة الأوضاع الأمنية الداخلية، فهناك مخاطر قريبة من العراق، خاصةً في الداخل السوري واللبناني.
وأضاف قائلاً: “ليس من صالح العراق انسحاب التحالف الدولي بهذا التوقيت المهم والحساس، ونحن سوف نناقش هذه المخاوف مع الجهات المختصة الحكومية الأمنية والعسكرية، سيما وأن أصل هذا القرار بيد القائد العام للقوات المسلحة العراقية، كما أن هناك مخاوف من هذا الانسحاب لدى بعض القيادات العسكرية والأمنية العراقية”.
وبيّن عضو لجنة الأمن النيابية أن الانتقال من المهام القتالية إلى شراكة أمنية تقليدية يمثل تغييراً جذرياً في العلاقة بين الطرفين، حيث تتحول من مهام قتالية مثل القصف الجوي والعمليات البرية والإسناد اللوجستي، إلى مهام استشارية تركز على التخطيط والتدريب وتطوير القدرات العسكرية والأمنية.
وأكد أن التحول نحو الجانب المدني لا يعني انتهاء دور التحالف الدولي في العراق بالكامل، بل إعادة تعريف هذا الدور وتعديل مهامه”، مرجحاً “بقاء جزء من القوات الأمريكية في العراق تحت مظلة استشارية أو تدريبية، بحيث لا تشارك في عمليات قتالية مباشرة، بل تركز على بناء وتطوير قدرات القوات العراقية”.
وكشف متحدث باسم السفارة الأمريكية في بغداد عن قرب توقيع شراكة “مدنية” بين التحالف الدولي والعراق، تزامناً مع الانسحاب “العسكري” المخطط له بحلول أيلول/سبتمبر المقبل.
وقال المتحدث إن التحالف الدولي لهزيمة داعش (عملية العزم الصلب) سينتقل من مهامه العسكرية في العراق إلى شراكة أمنية ثنائية أكثر تقليدية، مؤكداً استمرار جهود التحالف المدنية بقيادة مدنية على المستوى العالمي.
وأكد أن هذا التحول لا يعني نهاية عمل التحالف الدولي لهزيمة داعش، بل يأتي ضمن خطة التحول نحو تعزيز الاستقرار في العراق من خلال الشراكة الأمنية والتعاون المدني المستمر.
وأفادت تقارير إعلامية بأن الإدارة الأميركية أخطرت الحكومة العراقية بقرب بدء سحب المئات من الجنود والعسكريين الأميركيين من قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار غربي البلاد، لأسباب تتعلق بالاتفاق العراقي الأميركي المتضمن انسحاباً تدريجياً للقوات الأميركية العاملة تحت غطاء التحالف الدولي للحرب على تنظيم داعش منذ العام 2014.
وكانت قاعدة عين الأسد تعرضت لهجمات صاروخية متكررة خلال السنوات الماضية، زادت بعد عملية “طوفان الأقصى”، في إطار الرد العراقي على المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتقع القاعدة على بُعد 200 كيلومتر غرب بغداد، وقرب نهر الفرات في بلدة البغدادي غرب محافظة الأنبار، وتُعد أضخم القواعد الأميركية في العراق.
وتمثل قاعدة عين الأسد في الوقت الحالي مرتكزاً للمئات من الجنود والعسكريين الأميركيين. وتتشارك القاعدة، إلى جانب القوات الأميركية، الفرقة السابعة بالجيش العراقي، ضمن قيادة عمليات البادية والجزيرة، المسؤولة عن حدود العراق مع الأردن وسوريا وأجزاء من الحدود مع السعودية.
ولدى الولايات المتحدة نحو 2500 جندي في العراق إضافة إلى 900 في سوريا المجاورة، وذلك في إطار التحالف الذي تشكّل في 2014 لمحاربة تنظيم “داعش” بعد اجتياحه مساحات شاسعة في البلدين قبل طرده من معظم تلك المناطق قبل سنوات.
الموقف الحكومي
إلى ذلك، أكد المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، أن انسحاب قوات التحالف من العراق أحد إنجازات الحكومة، فيما أشار إلى أنه مؤشر على قدرة العراق على التصدي للإرهاب.
وقال النعمان إن “انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق هو واحد من إنجازات الحكومة ومؤشر على قدرة العراق على التصدي للإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار من دون الحاجة إلى مساعدة آخرين”، بحسب الوكالة الرسمية.
وأضاف أن “هذا الأمر ما كان ليتم لولا جهود سياسية وإصرار من قبل رئيس الوزراء على غلق هذا الملف كما أُغلق ملف (يونامي)”.
وأعلنت السفارة الأمريكية في العراق، في وقت سابق، أن التحالف الدولي في العراق سينتقل إلى شراكة أمنية ثنائية.
وقالت السفارة في بيان إن “هذا ليس نهاية عمل التحالف الدولي لهزيمة داعش، إذ سيواصل جهوده المدنية بقيادة مدنية على المستوى العالمي”.
وأضافت أن “مهمة التحالف العسكرية في العراق ستنتقل إلى شراكة أمنية ثنائية أكثر تقليدية”، لافتةً إلى أن “التفاصيل المتعلقة بخططنا وعملياتنا العسكرية ستحال إلى وزارة الدفاع”.
بدوره، رأى الخبير الأمني والاستراتيجي سيف رعد أن انسحاب القوات الأميركية حالياً من العراق قبل الموعد المقرر ينذر بحدوث شيء ما.
وقال رعد لـ(المدى) إن “انسحاب القوات الأميركية حالياً من العراق قبل الموعد المقرر ينذر بحدوث شيء ما”، مبيناً أن “المرحلة الأولى من انسحاب القوات الأميركية من العراق تتضمن إخلاء الدعم اللوجستي من قاعدة عين الأسد”.
وأضاف رعد أن “انسحاب القوات الأميركية من العراق ليس كما يتصوره العراقيون أنه بشكل كامل”، معتقداً أن “القوات الأميركية ستبقى في العراق إلى ما بعد عام 2026، وهذا أمر فيه تحايل من قبل واشنطن”.
وبيّن أن “القوات الأميركية قد عجّلت بانسحاب قواتها قبل الموعد المقرر”، لافتاً إلى أن “القوات الأمنية العراقية بمختلف صنوفها من أفضل القوات في الشرق الأوسط”.
بين الخطاب الحكومي المتفائل وتصريحات النواب والخبراء المتوجسة، يبقى مستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي معلقاً على خيط رفيع. فالعراق يقف أمام معادلة معقدة: كيف يحافظ على سيادته الوطنية ويُنهي الوجود الأجنبي من دون أن يفتح الباب أمام فراغ أمني قد تستغله الجماعات المسلحة أو التوترات الإقليمية؟










