متابعة / المدى
مع تصاعد الدعوات لتصنيف الحرب في غزة كحرب إبادة جماعية، كشف تقرير دولي استند إلى قاعدة بيانات سرية وعلنية أن ما لا يقل عن خمسة من كل ستة أشخاص فلسطينيين قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية في غزة هم من المدنيين.
ووجد التحقيق أنه حتى شهر أيار 2025 قُتل ما يقارب من 8 آلاف و900 مسلح من حماس، بينما كان أكثر من 53 ألف مدني فلسطيني قد قُتل في هجمات إسرائيلية منذ السابع من أكتوبر 2023، وفقاً لسلطات الصحة في غزة. وبما أن المقاتلين المذكورين في قاعدة البيانات لم تتجاوز نسبتهم 17 % من مجموع القتلى، خلص التحقيق إلى أن الـ83 % المتبقين هم من المدنيين.
وتبيّن الأرقام أن أعداد القتلى المدنيين الواردة في التقرير تفوق بشكل كبير مثيلاتها من الحروب والنزاعات الأخرى في التاريخ الحديث.
فعلى سبيل المثال، قُتل نحو 50 % من الضحايا في الحرب الأهلية السودانية من المدنيين، وفقاً لبرنامج بيانات الصراعات في أوبسالا، الذي يرصد الوفيات في النزاعات حول العالم. بينما بلغت نسبة المدنيين القتلى في الحرب الروسية على أوكرانيا حوالي 10% فقط. وقالت أنيل شيلين، زميلة أبحاث في معهد كوينسي ومسؤولة سابقة في وزارة الخارجية الأميركية، إن الأعداد في غزة قابلة للمقارنة مع الإبادات الجماعية في رواندا وصربيا خلال التسعينيات.
وأضافت: «من الواضح جداً أن هذا بعيد تماماً عمّا يدّعيه الجيش الإسرائيلي من أنه يستهدف مقاتلي حماس فقط. وإن هذا يثبت ما كان يجب أن يكون واضحاً منذ البداية، وهو أنهم يتصرفون بشكل عشوائي، وينخرطون فعلياً فيما أصفه بالإبادة الجماعية».
وأكد خبراء أن نسبة 83 % من القتلى المدنيين قد تكون أعلى، حيث يصنّف الجيش الإسرائيلي صحفيين وأعضاء سياسيين في حماس كأهداف، بينما يحظر القانون الدولي استهداف أي شخص غير مشارك مباشرة في القتال. كما أن هذه النتائج تتماشى مع تقارير سابقة أظهرت أن أعداد القتلى المدنيين أعلى بكثير مما تعلنه إسرائيل، التي زعمت أن نسبة القتلى المدنيين لا تتجاوز 1 إلى 1، أي مدني واحد مقابل كل مقاتل.
حصيلة القتلى المدنيين غير مسبوقة
منظمة «أيروورز» (Airwars) البريطانية، التي ترصد الضحايا المدنيين في الحروب باستخدام تقنيات تحديد الموقع الجغرافي والسجلات الرسمية ووسائل الإعلام والتقارير الاجتماعية، وثّقت بالفعل حصيلة «غير مسبوقة» من القتلى المدنيين في غزة منذ أكتوبر 2023. وقالت إن النمط ظل ثابتاً على مدار العامين التاليين تقريباً.
في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحده، قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 5,139 مدنياً في غزة، أي ما يقارب أربعة أضعاف العدد الذي سُجّل في الشهر الأكثر دموية سابقاً (آذار 2017)، حين قتلت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة 1,470 مدنياً في العراق.
كما وجدت المنظمة أن أكثر من 1,900 طفل قُتلوا في غزة في أكتوبر 2023، وهو ما يعادل سبعة أضعاف الرقم القياسي السابق (279 طفلاً في كانون الثاني 2016 في سوريا).
وخلصت إلى أن تسعة من كل عشرة نساء وأطفال قُتلوا في غزة كانوا داخل مبانٍ سكنية لحظة استهدافهم.
قالت إيميلي تريب، المديرة التنفيذية لمنظمة Airwars، إن حجم الأذى الذي لحق بالمدنيين في غزة كان «أشد على جميع المقاييس» من أي شيء رصدته المنظمة من قبل، بسبب القصف المكثف للأحياء السكنية والمدارس. كما وثّقت المنظمة أكثر من 200 حالة إطلاق نار مباشر على أشخاص مدنيين قرب مواقع توزيع المساعدات.
وكان مركز الحقوق الدستورية في الولايات المتحدة قد أعلن الأربعاء عن رفع دعوى قضائية ضد الإدارة الأميركية للمطالبة بكشف سجلات رسمية تتعلق بتمويل ما يسمى بـ«مؤسسة غزة الإنسانية»، التي تديرها أميركا وإسرائيل في غزة، حيث يتم فيها استهداف مدنيين أثناء تلقيهم المساعدات.
وأوضح البيان أن مواقع المؤسسة باتت مرتبطة بمشاهد «فوضى ومجازر يومية» دامية، حيث قُتل منذ بدء عملها في أواخر أيار الماضي أكثر من 1,400 فلسطيني أثناء بحثهم عن المساعدات في محيط نقاط توزيع المؤسسة. ونقل البيان عن المحامية آيلا قدة، زميلة العدالة في مركز الحقوق الدستورية، قولها: «نموذج مؤسسة غزة الإنسانية لتوزيع المساعدات بالتنسيق مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي، يخدم مشروع الإبادة أكثر مما يخفف من معاناة الفلسطينيين».
العنف في غزة ليس كمثل أي نزاع آخر
قال الناشط مايكل بوكرت، الرئيس المؤقت لمنظمة «كنديون من أجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط»، إن النتائج لم تكن مفاجئة، مشيراً إلى أن كل من تابع الأخبار خلال العامين الماضيين رأى كيف تهاجم إسرائيل يومياً مستشفيات ومخيمات لاجئين ومدارس تؤوي النازحين، وهذا ما كان يحدث، مع استهداف إسرائيل وبشكل متعمّد الطواقم الطبية والإسعاف والصحفيين، مع تدمير أحياء بأكملها.
وأضاف بوكرت بقوله: «هذه ليست حرباً، وليس نزاعاً مسلحاً عادياً. إنها جريمة فظيعة تتفاقم لحظة بلحظة».
من جانبها، قالت فاطمة عبد الله، مسؤولة السياسات في المجلس القومي للمسلمين الكنديين، إن هذه الحرب هي «أكثر الإبادات توثيقاً في التاريخ. لم أرَ في حياتي هذا الكم من الصور والفيديوهات التي توثّق حرباً مروعة على المدنيين».
وفي تموز الماضي، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسكا البانيزي، أمام مجلس حقوق الإنسان إن إسرائيل «مسؤولة عن واحدة من أبشع الإبادات الجماعية في التاريخ الحديث». كما انضم العديد من المحامين ومنظمات حقوق الإنسان وخبراء الإبادة إلى هذا التوصيف.
رغم إنكار إسرائيل المتواصل، فإن مسؤولين سياسيين وعسكريين فيها استخدموا خطابات ذات طابع إبادي صريح، من بينها وصف الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية» والتأكيد على أنه «لا يهم إن قُتل أطفال».
كما كشفت صحيفة «هآرتس» الشهر الماضي أن جنوداً إسرائيليين تلقوا أوامر بإطلاق النار عمداً على فلسطينيين عزّل كانوا يحاولون الحصول على مساعدات إنسانية.
وأظهرت الدراسات أن الأعداد الرسمية لوزارة الصحة في غزة تقل كثيراً عن العدد الفعلي للضحايا، لأنها تحصي فقط الجثث التي تم انتشالها وتوثيقها في المستشفيات، ولا تشمل الوفيات غير المباشرة مثل الموت بسبب الجوع أو نقص المياه والخدمات الصحية.
وقدّر بعض العلماء والخبراء في الصحة العامة أن العدد الفعلي للضحايا في غزة يصل إلى مئات الآلاف.
عن وكالات وصحف عالمية










