المثنى / كريم ستار
تحولت أزمة المياه في محافظة المثنى إلى كارثة شاملة أصابت مختلف جوانب الحياة. أكثر من 15 محطة إسالة خرجت من الخدمة في الأقضية المكتظة بالسكان بعد أن جفّت مصادر تغذيتها وتراجعت الإطلاقات المائية بشكل غير مسبوق. ومع توقف هذه المحطات، لم يعد أمام الأهالي سوى الاعتماد على السيارات الحوضية لتأمين مياه الشرب، في وقت تزحف فيه الرمال من الحقول اليابسة حتى أطراف المنازل.
في شوارع السماوة والرميثة والخضر، تصطف الصهاريج بانتظار سكان يبحثون عن ماء يكفي ليوم واحد. ويقول المواطن صباح جبار من قضاء الرميثة إنهم «منذ أسابيع لم يتلقوا قطرة ماء عبر الشبكة»، مضيفاً أن نصف راتبه يذهب حالياً لشراء الماء الذي كان يصلهم سابقاً عبر الأنابيب دون عناء.
الجفاف يزحف إلى البيوت
الأزمة تجاوزت الأراضي الزراعية التي تحولت إلى قفار جرداء، إذ بدأت تهدد حتى المنازل. الرمال تزحف على أطراف القرى، والأشجار اليابسة تنتشر في الحدائق المنزلية. المزارع مهدي عبد من ناحية السوير يقول إن «الأرض عطشت وتركتنا بلا محصول، واليوم نخشى أن نُترك بلا ماء في بيوتنا أيضاً».
وأضاف أن المواسم انهارت، والمواشي نفقت أو بيعت بأثمان بخسة، ما دفع الكثير من العائلات إلى الهجرة نحو المدن التي تعاني هي الأخرى من العطش. مدير ماء المثنى محمد طالب أوضح أن الأزمة المالية تشلّ جهود المعالجة، مبيناً أن المديرية «تزاول أعمالها بالدين» بسبب عدم صرف الموازنة التشغيلية حتى الآن. وأكد أنه إذا لم تُطلق الأموال بشكل عاجل «فسيتوقف المزيد من المحطات، وستتسع دائرة العطش لتشمل معظم أقضية المحافظة».
تداعيات صحية واجتماعية
الأطباء يحذرون من مخاطر صحية متفاقمة. الدكتور حيدر كاظم أوضح أن قلة المياه الصالحة للشرب رفعت نسب الأمراض المعوية والتسمم بين الأطفال، لاسيما مع اضطرار الأهالي إلى تخزين مياه ملوثة أو غير معالجة.
الناشط المدني حسين الميالي بدوره حذر من تداعيات اجتماعية خطيرة، مشيراً إلى أن الهجرة الداخلية بدأت بالفعل، وأن عوائل كثيرة تركت الريف بعد جفاف أراضيها، فيما تتزايد معدلات البطالة في المدن.
الجفاف ضرب أيضاً صميم الأمن الغذائي بعد أن أصيبت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية بالبوار. المزارع مهدي عبد أكد أن مواسم القمح والشعير والخضروات انهارت بالكامل، موضحاً أنهم لم يعودوا قادرين على إطعام أسرهم، بعد أن «أكل الجفاف الأرض وزحف حتى البيوت».
المواطنون يوجهون نداءات استغاثة للحكومة المركزية من أجل زيادة الإطلاقات المائية وإنقاذ المحطات المتوقفة. صباح جبار تساءل: «إذا كان النفط يخرج يومياً من أرض العراق، فلماذا لا يصل الماء إلى بيوت العراقيين؟». الخبير الاقتصادي علي العبودي اعتبر أن الأزمة مرشحة للتفاقم، مبيناً أن تأخر صرف الموازنة التشغيلية لا يهدد مشاريع الماء فقط، بل يضر قطاعات خدمية أخرى، محذراً من أن عدم معالجة الأزمة بشكل عاجل سيجعلها سبباً في انهيار اقتصادي واجتماعي. بين محطات متوقفة، أراضٍ زراعية يابسة، وبيوت تخشى زحف العطش إليها، يقف أهالي المثنى أمام مستقبل غامض. ومع اعتمادهم المتزايد على الحوضيات، تتضاعف معاناتهم الاقتصادية والصحية والاجتماعية في ظل غياب حلول حكومية عاجلة.










