متابعة المدى
أقام بيت المدى الثقافي في شارع المتنبي جلسة خصصت للذكرة المئوية لميلاد الفنان الرائد نزار سليم حضرها جمعا من الفنانين وجمهور بيت المدى .. وإستهل الجلسة الزميل رفعت عبد الرزاق للحديث عن الفنان مستعرضاً جانب من سيرته، حيث قال: "الاحتفاء بنزار سليم هو الإحتفاء بالريادة الفنية، ونزار سليم هو قاص عراقي وفنان تشكيلي ودبلوماسي ورسام كاريكاتير، وهو من عائلة الحاج محمد سليم الذي عرف كأحد قراء القرآن، والذي خلف أبناء جُلّهم من الفنانين ..
ولد نزار سليم في 15 مارس/آذار 1925 في العاصمة التركية أنقرة، لأبوين عراقيين، وفي أسرة كل أفرادها فنانون، عادت أسرته إلى بغداد في العام 1927 وسكنت في محلة جديد حسن باشا، أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد، وتخرج من كلية الحقوق عام 1952، ثم درس في معهد الفنون الجميلة ثلاث سنوات، وعُيّنَ في بداية حياته كاتب طابعة في وزارة الخارجية العراقية، ثم سافر لفترة الى الصين ودرس على يد الفنان شو، وترجم هناك الى العربية عدة مسرحيات صينية، ثم عاد الى بغداد عام 1971 وعُيّنَ بعد عام مديراً عاماً في وزارة الثقافة والإعلام للفنون الجميلة".
الناقد الفني وأمين عام جمعية التشكيليين العراقيين د. جواد الزيدي، بدأ حديثه بتقديم الشكر لمؤسسة المدى وللقائمين على بيت المدى الثقافي لإهتمامهم بالرموز العراقية، جاء فيه: "شكرا ً لبيت المدى الثقافي وهو يضع خارطة استذكار للمبدعين بتواريخ حياتهم ورحيلهم، وتسليط الضوء على منجزهم الإبداعي، الذي شكل حلقة مهمة من حلقات الثقافة العراقية ودورهم الريادي والابتكاري، وهو اليوم يعيد قراءة النسق الثقافي بمحمولاته الاجتماعية، مستذكرا مئوية ولادة الفنان نزار سليم بعد أربعة عقود من رحيله، وقد تصدر بهذا الإستذكار جميع المؤسسات الثقافية والفنية في العراق، راصدا التحولات وأفق الأحلام الكبيرة آنذاك في صياغة هوية الفن العراقي".
وأضاف: "أن نزار سليم الذي حاول تكريس القصص والحكايات الشعبية في خطابه البَصَري انطلاقا من رؤية جماعة بغداد للفن الحديث التي انتمى إليها بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وإنشغالاته المتعددة في السياسة والادب القصصي والنحت والتصميم وغيرها، معلنا عن موقعه الريادي وأثره الذي نتهجّاه هذا اليوم، وهو أثر له بالغ القيمة في منجزات الأجيال اللاحقة".
تحدث بعدها فنان الكاركاتير خضير الحميري قائلا: "سأتحدث عن الفنان نزار سليم كرسام كاريكاتير، فالعلاقة بين الفنان نزار والكاريكاتير هي علاقة وثيقة برزت من خلال الرسوم التي انتجها، والتي إعتبرت ضمن أهم المطبوعات في الاربعينيات، ولعل جهده الأهم، هو نجاحه في جمع رسامي الكاريكاتير في سنوات السبعينيات، والذين أسهموا في إغناء المسار التاريخي لهذا الفن، من بينهم رحيم ياسر، رائد نوري الراوي، وبسام فرج وغيرهم".
وأضاف الحميري: "أنه من الغريب أني وجدت في بحثي عن تاريخ هذا الفن، ان عبد الجبار محمود، كان اول من رسم الكاريكاتير في العراق، لكن زواجه من الأميرة شقيقة ملك العراق، جعله يهجر هذا الفن بناء على طلبها، حيث رأت فيه عملا لا يناسب تقاليد العائلة المالكة، فترك عبد الجبار هذا الفن ودخل كلية الطيران ليصبح طيار للعائلة المالكة، والمفارقة ان خال عبد الجبار هو الحاج سليم، والد نزار وهذا يعني ان الريادة في هذا الفن لم تبتعد عن هذه العائلة".
بعدها تحدث الفنان د. محمد الكناني قائلا: "ان الفنان نزار سليم لم يأخذ حقه من النقد لا عربيا ولا عراقيا، وهو الذي أسهم في منح الفن العراقي هويته، فقد كان من أوائل الفنانين العراقيين" .. مشيرا الى "أن جواد سليم عندما أسس لمنطق الحداثة، كان الفنان نزار ضمن أطار هذه التجربة، ليس فقط بالتشكيل وإنما في القصة والموسيقى والنحت". مضيفا ان نزار سليم يعد من العلامات المعرفية المهمة، سواء من حيث ما أنتجه في مجالات القصة والرواية والشعر، أو في حقل التشكيل البصري.
امتلك خرائط جمالية متعددة، ما يعكس وعيه الثقافي الواسع، وقدرته على إدارة المعارف التي تلقاها.وقد استقى تجربته من عائلة سليم، التي عرفت بتنوع اشتغالاتها، في مقدمتها الفنان جواد سليم.
أسهم في تأسيس هوية فنية حقيقية بالتكامل مع شقيقه جواد ضمن جماعة بغداد للفن الحديث، كما كان له دور في تشكيل جماعات أخرى مرتبطة بالكاريكاتير العراقي.
ما يميزه عن أقرانه هو تعدد اشتغالاته وامتلاكه لثقافة موسوعية، إذ جمع بين الموسيقى والشعر والفكر التشكيلي، ما منح تجربته عمقاً وأصالة.
أعماله الفنية مثلت امتداداً للحكاية الشعبية واليوميات، وشكلت نوعاً من الاتساق بين ما يطرحه فكرياً وما يجسده بصرياً. كان يرسم ما لا يقال، ويكتب ما لا يمكن رسمه، في علاقة تبادلية بين القول والصورة.
اما الصحفي علي إبراهيم الدليمي فقد أشار الى أنه "صادف الفنان مرتين، عندما أصدر مع اخوته مجلة (الصبا)، وكانت هذه المجلة تُخط وتُرسم باليد، وتعلق بالمرسم منذ صغره، فقد أنحدر نزار وترعرع في بيئة فنية لها إهتماماتها في مجال الفنون والادب والمسرح، إذ وجد نفسه ضمن محيط عائلي مشبع بمثل هذا الزخم من الفنون، فوالده (الحاج سليم) كان يعد من رعيل الرسامين الأوائل، وشقيقه النحات الخالد (جواد سليم ) صاحب (نصب الحرية) ببغداد وشقيقه الفنان (سعاد) من الرسامين الرواد وكان أيضا ممثلا ورياضيا ورسام كاركاتير وعازفا ً بارعا ً ورساما ً بارزا ونحاتا، وكذلك شقيقته الرائدة (نزيهة)".
وأضاف الدليمي: "الى أنه من تشعباته الفنية هذه نستخلص، ان نزار قد سبق جيله في رسم الكاريكاتير، ولم يلتفت للخطر الذي كان سيلحق في أعماله من جراء التنوع وتوزيع جهده ما بين مواهبه هذه، وقد كتب في إحدى صفحات مذكراته ً عن (التعددية الإبداعية) في حياته فيقول: "عوالم نفسي متعددة الجوانب يراها البعض غير مستقرة على حال يراها البعض متضاربة واراها متكاملة منسجمة تعمق في أبعاد التجربة وتلونها فلا تبقيها على رتابة أوضيق، فأنا أرسم وأكتب وأرسم الكاريكاتير وأقرأ وأستمع للموسيقى وأجمع بين هذا وذاك ولا أفرط في أي جانب من هذه الجوانب".











