بغداد/ محمد العبيدي
يبدو أن الإجراءات الحكومية ومحاولات البنك المركزي في السيطرة على سعر صرف الدولار لم تحقق نجاحاً كاملاً، إذ لا تزال أسعار الصرف تشهد تذبذباً ملحوظاً في الأسواق، وسط ضغوط متزايدة ناجمة عن الطلب غير المغطى رسمياً، وعمليات التهريب، وتعقيدات القرارات الكمركية الأخيرة.
وارتفعت أسعار صرف الدولار الأمريكي، في أسواق بغداد وأربيل عاصمة إقليم كردستان، بعد انخفاضات متتالية شهدتها الأيام الماضية، ما أثار قلق المواطنين والتجار على حد سواء.
وسجلت بورصتا الكفاح والحارثية في بغداد 141,600 ديناراً مقابل 100 دولار، كما سجلت أسعار البيع في محال الصيرفة بالأسواق المحلية 142,500 دينار مقابل 100 دولار، وذلك بعد أن سجل الدولار الشهر الجاري 139 ألف دينار مقابل 100 دولار.
ويرى مختصون أن استمرار التذبذب يعكس محدودية تأثير الإجراءات الحكومية والبنك المركزي، إذ أن عوامل السوق غير الرسمية، مثل الطلب المرتبط بالتجارة مع دول الجوار والتهريب عبر المنافذ، ما زالت تضغط على استقرار الدينار.
ويشير هؤلاء إلى أن معالجة الأزمة تتطلب حلولاً أوسع من مجرد القرارات المالية، لتشمل إصلاح المنظومة الجمركية، وتعزيز الرقابة على المنافذ الحدودية، فضلاً عن تنشيط القطاعات الاقتصادية غير النفطية لتقليل الاعتماد المفرط على الدولار.
توقعات بالارتفاع
بدوره، توقّع الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل أكبر، مشيراً إلى أن الانخفاض السابق كان نتيجة الانكماش الذي شهدته الأسواق، مما خلق حالة من القلق في التعاملات المالية.
وقال عبد ربه لـ(المدى) إن "وجود حديث عن توقف بعض الحوالات والمشاكل في التسوق الإلكتروني أدى إلى اندفاع على الدولار في السوق الموازي، ما سيؤدي إلى رفع السعر مجدداً".
وأضاف أن "استقرار سعر الدولار يحتاج إلى خطط عملية وضبط حقيقي للسوق، بحيث يتمكن البنك المركزي من فهم المشاكل والبحث عن حلول فعالة من خلال الجهاز المصرفي"، مؤكداً أن "مثل هذه الخطوات ستسهم في ضبط الأسعار وتهدئة السوق".
وأشار إلى أن "التعامل الجدي مع العوامل المؤثرة على العرض والطلب، إضافة إلى متابعة تحركات السوق الموازي، يمثلان مفتاحاً لتحقيق استقرار حقيقي في سعر الدولار".
ويشير متعاملون إلى أن الفجوة بين السوق الرسمي والموازي ما زالت قائمة، وهو ما يفتح الباب أمام المضاربات اليومية ويجعل أي انخفاض مؤقت عرضة للتبدد السريع، وبينما يستبشر المواطنون بأي تراجع لسعر الصرف، يبقى القلق قائماً من عودة الارتفاع مجدداً، وما يرافقه من موجة غلاء جديدة تضغط على معيشة الأسر العراقية.
ثلاثة عوامل رئيسية
من جهته، عزا الخبير المالي والمصرفي عبد الرحمن الشيخلي أسباب تذبذب سعر صرف الدولار في العراق إلى ثلاثة عوامل رئيسية، مؤكداً أن هذه العوامل تعمل مجتمعة على زيادة الضغوط على السوق.
وأوضح الشيخلي لـ(المدى) أن "السبب الأول هو قلة العرض مقارنة بالطلب المتزايد، ما يخلق حالة من التوتر في سوق الصرف".
وأضاف أن "السبب الثاني يتمثل في إصرار الكثير من التجار على استيراد بضائعهم من دول الجوار المحظورة، خاصة في ظل تأخر البنك المركزي أحياناً بتجهيز الدولار للمستوردين عبر المنافذ الرسمية، أما السبب الثالث، فهو فرق السعر بين السوق الرسمي والسوق الموازي، الذي شجع المضاربين على الاستفادة من هذا التفاوت، خاصة في ظل الزيادة الحالية في الطلب".
وأكد أن "فهم هذه الأسباب واتخاذ إجراءات لضبط العرض والطلب، إلى جانب مراقبة الفروقات السعرية بين الأسواق، يمثلان خطوة مهمة نحو استقرار سعر الدولار في الأسواق العراقية".
وكان الشارع العراقي تفاءل بانخفاض سعر الدولار خلال الأسابيع الماضية، أملاً في أن ينعكس ذلك على استقرار الأسعار وتراجع تكاليف السلع، لكن التذبذب المتواصل عاد ليبدد هذه التوقعات، بعد أن ارتفع السعر مجدداً متأثراً بزيادة الطلب غير المغطى رسمياً وبطء الحلول الحكومية، ما جعل الشارع أمام قلق متجدد من موجة غلاء جديدة تلوح في الأفق.
الأسواق العراقية تترنح بين الرسمي والموازي.. صراع لا يهدأ يرفع سعر الصرف

نشر في: 25 أغسطس, 2025: 12:05 ص









