د. فالح الحمــراني
لا تنحصر موضوعة انسحاب القوات الامريكية من العراق فقط في ابعادها السياسية الإقليمية والداخلية، بل تتعلق أيضا في قضية الامن الوطني الملحة، وتتطلب حتما مواقف متوازنة تأخذ بالاعتبار مدى جاهزية القوات المسلحة الوطنية بمختلف صنوفها وتجهيزاتها في صيانة أمن البلاد ببناء شبكة دفاعات مضادة عصرية وفعالة وحيوية تغطي جميع انحاء البلاد، وبشكل عام، وعلى وفق الخبراء العسكريين فان نظام الدفاع الجوي العراقي يحتاج إلى تحديث جذري، مع التركيز على توسيع نطاقه متوسط وقصير المدى. وسيتيح اقتناء أنظمة دفاع جوي جديدة باعتراض الأهداف الجوية المعادية، وخاصة الطائرات المسيرة منخفضة التحليق وصواريخ كروز، وتوفير تغطية لعدد أكبر من المنشآت العسكرية والصناعية. في غضون ذلك تواصل القيادة العسكرية تطبيق مقاربة لتجهيز الجيش بأنظمة دفاع من انتاج دول اجنبية.
وضمن هذا السياق تعتزم القوات المسلحة العراقية شراء أنظمة صواريخ تشيونغونغ 2 متوسطة المدى المضادة للطائرات من صنع كوريا الجنوبية. وبحسب وكالة يونهاب، من المتوقع أن يتم إبرام العقد في المستقبل القريب جدًا. وبحسب تقارير إعلامية من المتوقع أن توقع وزارة الدفاع العراقية عقدا بقيمة 2.5 مليار دولار مع شركات دفاعية من جمهورية كوريا لشراء 8 مجمعات تشيونجونج 2. كما ظل اهتمام العراق بأنظمة الدفاع الجوي الروسية قائما لفترة طويلة. وتولي الحكومة العراقية اهتماما خاصا لمنظومة اس 400 للدفاعات الجوية، والتي أشار لها أيضا في عام 2019 سفير الجمهورية العراقية لدى الاتحاد الروسي، وكما أوضح السفير الروسي لدى العراق إلبروس كوتراشيف في وقت سابق لـصحيفة "إزفستيا" فأن العقبة الرئيسية أمام شراء مثل هذه الأنظمة هي موقف الولايات المتحدة.
في غضون ذلك وكما علمت صحيفة "كوميرسات" الصادرة في موسكو، فإن الولايات المتحدة لم تقم بإجراء أي تعديلات على الاتفاق الذي تم التوصل إليه العام الماضي مع العراق بشأن وضع البعثة العسكرية الأميركية في العراق. ونقلت الصحيفة عن مصدر في البنتاغون إن خطط إجلاء قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب من العراق غير واردة. وقال مصدر في البنتاغون للصحيفة، معلقاً على البيانات المتعلقة بحركة العسكريين الأميركيين في القواعد العراقية نحن ندرك أن هناك تقارير تشوه الوضع في العراق، وتعطي الانطباع بأن الأمر يتعلق بالانسحاب. - لا إعلانات جديدة حول هذا الموضوع، ولا أي تغييرات منذ البيان الذي أدلت به المفوضية العسكرية العليا الأمريكية العراقية في أيلول 2024.
وذكرت وسائل اعلام في وقت سابق إن القوات المسلحة الأمريكية شرعت بتغيير مهمتها العسكرية في العراق. وباشر البنتاغون في تقليص قواته في قاعدة عين الأسد الجوية غربي البلاد وفي محيط مطار بغداد الدولي. وزعمت مصادر وسائل إعلام عربية أن إعادة الانتشار في القواعد الأمريكية تأتي في ظل تزايد أخطار جولة أخرى من المواجهة المسلحة بين إسرائيل وإيران.
وأفادت مصادر دبلوماسية لصحيفة "ذا ناشيونال" أن إدارة الرئيس دونالد ترامب بدأت إعادة انتشار قواتها في العراق. ووفقًا لهذه البيانات، بدأت القوات الأمريكية بالانسحاب من قاعدة عين الأسد الكبيرة ومطار بغداد الدولي. ويجري نقل القوات إلى مناطق أخرى من العراق. وأكد مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني صحة هذه التقارير، مشيرًا إلى أنها تتماشى مع الاتفاقيات الثنائية بين واشنطن وبغداد بشأن تغيير شكل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة داعش وفلوله.
وتعتقد مصادر صحفية أن إعادة انتشار القوات الأمريكية تعكس استعدادًا لمواجهة جديدة مع إيران. ونقل عن مسؤول أمريكي قوله: "هذه ليست عملية واسعة النطاق، ومع ذلك، تُنفذ مع مراعاة تغير خريطة التهديدات الأمنية في العراق ومحيطه". ورفض المصدر تحديد طبيعة هذه التحديات أو اتجاهاتها، لكن بعض المصادر اشارت بانه وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة لتجنب تكرار صدام شامل بين إسرائيل وإيران، إلا أن هناك أخطار اندلاع حرب جديدة وهو ما يُزعم أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني أبلغ به العراق خلال زيارته الأخيرة.
وتُلزم اتفاقيات العام الماضي مع الحكومة المركزية في بغداد في أيلول 2024 البنتاغون بإعادة نشر قواته في العراق. وجرى ذلك عقب محادثات اتفقت بنتائجها الولايات المتحدة والعراق على خطة لتحويل المهمة القتالية للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب إلى مهمة غير قتالية. ينص بيان البلدين على أن المرحلة الأولى من هذا التحول ستكتمل بحلول أيلول 2025. ويمكن أن تستمر المرحلة الثانية حتى خريف 2026، وفقًا لبيان صادر عن الهيئة العسكرية العليا المشتركة. وبعد كل هذه التغييرات، ينبغي على البلدين الانتقال "إلى شراكة أمنية ثنائية توفر الدعم للقوات المسلحة العراقية وتضغط على داعش".
وكما أشارت مصادر لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن الاتفاق يعني عمليًا تقليص عدد الأفراد الأمريكيين في العراق. ورغم أن مصادر مطلعة في الصحيفة أشارت إلى أن إجلاء القوات الأمريكية من شمال العراق سيجري في مرحلة قادمة، إلا أن بعض المسؤولين الأمريكيين شككوا في إمكانية مغادرة القوات الأمريكية العراق بشكل كامل. مشيرين الى ان العراق يحتاج إلى تدريب جيشه وتقديم الدعم اللوجستي لعملياته. وحسب تلك المصادر يعارض جزء من المؤسسة العسكرية والسياسية العراقية سرًا الانسحاب الأمريكي، معتقدًا أن ذلك سيؤدي إلى توسع النفوذ الإيراني.
وبتقدير المراقب العسكري لصحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الصادرة في موسكو " فان وجود القوات الأمريكية في العراق كان أحد أبرز نقاط الخلاف داخل النخبة العراقية، نظرًا لأن بعض السياسيين يُظهرون ولاءهم العلني للمصالح الإيرانية". ونقل عن مستشار رئيس الوزراء العراقي، في تعليقه على بدء انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة عين الأسد ومطار بغداد، قوله أن تغيير شكل التعاون بين بغداد وواشنطن سيُمثل عودةً إلى "العلاقات الثنائية الطبيعية" التي كانت قائمة قبل سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل.
ونقلت الصحيفة عن ياسر وتوت، عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، إلى عدم التفاؤل بتغيير معالم المهمة الأمريكية. وأوضح في حديث مع وسائل إعلام محلية: "هناك مخاوف جدية من الانسحاب الوشيك لقوات التحالف الدولي من العراق، لا سيما في ظل عدم الاستقرار الأمني في المنطقة. هذا الانسحاب قد يُزعزع استقرار الوضع في المنطقة". وأضاف النائب: "إن انسحاب التحالف في هذه اللحظة الحرجة لا يصب في مصلحة العراق. سنناقش هذه المخاوف مع الجهات الحكومية والعسكرية والأمنية المعنية، ونشير إلى أن القرار النهائي يعود للقائد العام للقوات المسلحة العراقية (رئيس الوزراء). كما أن بعض قادة القوات العسكرية والأمنية في العراق يشاركوننا مخاوفنا".










