السليمانية / سوزان طاهر
عاد التوتر إلى المشهد السياسي في إقليم كردستان بين الحزبين الرئيسين الحاكمين في الإقليم، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، ليعيد مشهد الصراع وينهي آمال تفعيل البرلمان وتشكيل الحكومة. وكانت السليمانية قد شهدت خلال الأيام الماضية صدامات مسلّحة عنيفة بين قوات أمنية تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، وأخرى تابعة للقيادي السابق في الاتحاد ورئيس جبهة الشعب لاهور جنكي، في واحدة من أعنف التوترات التي عرفها معقل الاتحاد الوطني منذ سنوات. ورغم ذلك، يرى مراقبون أن هذه الأحداث، البالغة الخطورة على المستوى الداخلي للحزب، ستؤدي إلى تعطيل مسار التفاهمات السياسية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، فيما يخص تفعيل البرلمان وتشكيل الحكومة.
وبعد أكثر من 9 أشهر على انتخابات برلمان كردستان، ما يزال الإقليم دون حكومة جديدة وسط جمود سياسي، حيث أخفقت الاجتماعات المتكررة بين الحزبين الرئيسين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، في كسر حالة الانسداد، مما أطال أمد الفراغ الحكومي.
وتعثر محاولات التفاهم تركز بشكل أساسي حول المناصب الرئيسية والسيادية والإدارية الكبرى، الأمر الذي ينذر بانعكاسات سلبية على اقتصاد الإقليم وعلاقته ببغداد ودول الجوار، فضلاً عن تأثيراته على المزاج الشعبي.
اتهامات متبادلة
وبهذا الصدد يؤكد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي أن حزبه لا يتحمّل مسؤولية الفشل في تأخر تشكيل حكومة الإقليم. ولفت خلال حديثه لـ«المدى» إلى أنه «خلال الفترة الماضية، قدّم الاتحاد الوطني بوادر حسن نية، وذهب للاجتماع مع الحزب الديمقراطي، واتفق على الإسراع بتشكيل الحكومة وتفعيل البرلمان».
وأضاف أن «ما حصل بعد العملية الأمنية في السليمانية، التي أدت إلى اعتقال لاهور شيخ جنكي بناءً على أمر قضائي، هو طريقة تعامل وسائل الإعلام التابعة للحزب الديمقراطي، التي حرّفت المشهد في السليمانية ونشرت أشياء غير حقيقية بهدف تشويه صورة المدينة». وأردف أن «التوتر والصراع عاد مجدداً بين الحزبين بعد فترة من الهدوء والاستقرار، والحزب الديمقراطي هو من يتحمل الأخطاء، لأنه كان من المفترض أن يقف مع شريكه السياسي، الذي كاد أن يتعرض لمؤامرة انقلابية». وبعد أشهر من الجمود السياسي والصراع على المناصب بين الحزبين الرئيسين في إقليم كردستان، توصّل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في وقت سابق من الشهر الحالي إلى اتفاق لاستئناف جلسات البرلمان في أيلول المقبل، تمهيداً لتشكيل الحكومة الجديدة. وطبقاً للنظام الداخلي لبرلمان الإقليم، يتعين على رئيس الإقليم دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدعُ الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى، يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج، فيما يترأس العضو الأكبر سناً جلسات البرلمان قبل انتخاب الرئيس الدائم بعد تأدية القسم الدستوري. وكان الادعاء العام في إقليم كردستان قد أعلن أن رئاسة الادعاء العام في السليمانية ستباشر إجراءاتها في التحقيق بشأن الأحداث التي وقعت ليلة اعتقال رئيس حزب جبهة الشعب لاهور شيخ جنكي.
وأكدت السلطات القضائية في السليمانية أن الاعتقال جرى استناداً إلى مذكرة صادرة عن محكمة تحقيق أمن السليمانية بموجب المادة (56) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، المتعلقة بالاشتراك في تجمعات تهدف إلى الإخلال بالأمن والنظام العام.
الديمقراطي يبرئ ذمته
ووسط الاتهامات المتبادلة بين الحزبين الرئيسين، يرى عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني صالح عمر أنه لا يجوز ربط المواضيع الأمنية بملفات رئيسية مثل تشكيل الحكومة، الذي يهم المواطن الكردي.
وبيّن خلال حديثه لـ«المدى» أن «الديمقراطي الكردستاني كان منذ البداية مع الإسراع بتشكيل الحكومة وتفعيل دور البرلمان، ولكن هنالك طرف معطِّل يسعى للحصول على مناصب أكثر من استحقاقه السياسي».
وأشار إلى أن «الحزب الديمقراطي لا علاقة له بالأحداث الأخيرة في السليمانية، وهي عبارة عن صراع سياسي بين طرفين، ونحن لسنا طرفاً في هذا الصراع، ومن جانبنا نريد الإسراع بتشكيل الحكومة خدمة لمصالح المواطنين». وشهد البرلمان بدورته السادسة انعقاد جلسته الأولى في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2024، والتي تضمنت تأدية اليمين القانونية لأعضائه، وإبقاء الجلسة مفتوحة بسبب عدم حسم المناصب الرئيسة في الإقليم.
رد القضاء
وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد ردّت في 21 تموز/ يوليو الجاري دعوتين قضائيتين قدمتا أمامها بشأن إلغاء نتائج الانتخابات وإعادة تنظيمها، إضافة إلى استرجاع الامتيازات المالية الممنوحة للنواب الحاليين، وذلك لعدم الاختصاص، وجاء ذلك بعد أشهر من التأجيل. من جانب آخر، يشير الباحث في الشأن السياسي والأكاديمي حكيم عبد الكريم إلى أن التوترات الأخيرة التي حصلت بين الحزبين على خلفية أحداث السليمانية ستسبب تعطيلاً أكبر لعملية تشكيل حكومة الإقليم. وأوضح في حديثه لـ«المدى» أن «عملية تشكيل حكومة الإقليم دخلت في نفق مظلم، ولا يمكن تصور تشكيلها قبل موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، وسيتم التفاوض على المناصب في بغداد والمناصب في الإقليم دفعة واحدة». وتابع أن «موضوع تفعيل برلمان كردستان، الذي تم الاتفاق عليه بين الحزبين، لن يرى النور بسبب التوتر وتصاعد الخلاف بين الجانبين، وامتداد هذا الصراع إلى موعد الانتخابات واستخدامه في الدعاية الانتخابية من قبل الطرفين».










