ميسان / مهدي الساعدي
أعلن أبناء ناحية المشرح، الواقعة شرق مدينة العمارة مركز محافظة ميسان، عن تنظيمهم اعتصامًا مفتوحًا لحين تحقيق مطالبهم الخاصة بإطلاق المياه. وجاء إعلان الاعتصام ونصب سرادقه الخاصة به خلال احتجاجاتهم التي نظموها على جسر غزيلة، الواقع على الطريق المؤدي إلى الشركات والمواقع النفطية ومنفذ الشيب الحدودي، بسبب أزمة الجفاف التي ضيّقت الخناق على الناحية وقراها.
وأكد ناشطون بيئيون من أبناء الناحية أن الجفاف الذي طال جميع قرى الناحية ومناطقها، وأدّى إلى جفاف أهوارها بالكامل، ناتج عن غياب المشاريع الاستراتيجية الخاصة بإدارة ملف المياه. وفي هذا الصدد قال الناشط البيئي علي محسن لصحيفة (المدى): «لقد عانت ناحية المشرح وقراها وأريافها لسنوات طويلة من جفاف قاتل أدّى إلى اندراس الأنهار، وموت الأراضي الزراعية، وهجرة العوائل بعد أن فقدت مصدر رزقها الوحيد. وكل هذه المآسي حدثت نتيجة قلة الإطلاقات المائية والتجاوز على حصصنا، بسبب غياب المشاريع الاستراتيجية التي تحفظ المياه كالسدود والخزانات، والأخطر هو ما يجري اليوم من منع متعمّد لإطلاق المياه، لا لشيء إلا لوجود الحقول النفطية في أرضنا».
وأضاف: «أصبح النفط صاحب الأولوية عند الحكومة، أمّا الماء الذي هو سرّ الحياة فقد تُركنا محرومين منه، إلى أن جفّت القرى وهاجر أهلها، ولم يبقَ إلا القليل صامدين في مواجهة العطش والموت البطيء. اليوم نقولها بوضوح وأمام الجميع خرجنا باعتصام رافعين شعار النفط مقابل الماء، فالنفط قد يكون شريانًا لاقتصاد الدولة، لكن الماء هو شريان حياتنا، وما من حقّ على وجه الأرض أقدس من حق الإنسان في الماء».
حقّنا في الماء
مرّت أيام على شباب الناحية وهم يستنهضون همم أبنائها من أجل الوقوف للدفاع عن ناحيتهم التي قارب نهرها الشهير على الجفاف بصورة كاملة. وأطلقوا لذلك النداءات على مواقع التواصل، إلى أن لبّت شيوخ العشائر وشخصياتها المعروفة تلك النداءات، لتستكمل الحلقة بالتحام أبناء القرى والأرياف مع أبناء الناحية. وشهدت مواقع التواصل مجموعة من تلك النداءات، منها ما يحمل وسم «حقّنا في الماء»، الذي اطّلعت عليه صحيفة (المدى)، جاء فيه: «لقد ضاق بنا الحال واشتدّت المعاناة، فما عاد الصبر يُحتمل وما عاد الصمت يجدي. أراضينا عطشى، أنهارنا جفّت، محاصيلنا تلفت، وأطفالنا وكبارنا يعيشون مرارة العطش والحرمان. إنّ ما يحصل لنا اليوم ليس قدرًا مكتوبًا، بل جفافٌ متعمّد وسياسة إهمال واضحة تُمارَس بحق أهلنا في المشرح وأريافها. لقد صرخنا، ناشدنا، وطرقنا كل الأبواب، لكن لا حياة لمن تنادي. لم نلمس سوى تجاهل واستخفاف بمعاناة الناس، وكأن أرواحنا لا تساوي شيئًا».
مبينًا: «لن نقبل بعد اليوم بالانتظار في البيوت، ولن نسمح أن تُسلب حقوقنا ونحن صامتون. لقد تقرّر الخروج في تظاهرة كبرى وموحّدة صباح يوم الأحد يشارك فيها جميع عشائر وسكان ناحية المشرح وأريافها، لنرفع صوتنا عاليًا ونطالب بحقوقنا المشروعة».
إخلاف الوعود
بيّنت منظمات مختصّة بالشأن البيئي في ناحية المشرح أنّ خروج أهالي الناحية ناجم عن إحساسهم بمخاطر قد تودي بهم إلى الهلاك بسبب الجفاف، خصوصًا بعد أن أخلفت الحكومة المحلية بوعودها التي قطعتها في احتجاجات قام بها أبناء الناحية في وقت سابق. وفي هذا السياق أفاد حيدر عدنان، رئيس منظمة أبناء الأهوار، لصحيفة (المدى) بأنّ: «جميع أبناء ناحية المشرح من قراها وأريافها خرجوا مع أبناء المدينة في التظاهرات متّحدين على إجراء اعتصام مفتوح، احتجاجًا على إيقاف الإطلاقات المائية التي سببت الجفاف، الذي شكّل معظم المخاطر التي يواجهها أبناء الناحية، منها النزوح البيئي وموت الثروات الحيوانية، وانعدام كل مظاهر الحياة، خصوصًا بعد أن أخلفت الحكومة المحلية بوعودها الخاصة بإطلاق المياه تجاه الناحية خلال الاحتجاجات السابقة».
وأضاف: «اتحاد سكان القرى والأرياف في الناحية مع أبناء الأحياء في مركزها من شيوخ عشائر وشباب، للانضمام للاحتجاج، دليل على المشاكل البيئية والمعيشية التي سببها الجفاف الناتج عن قطع الحصة المائية للناحية. ولكي يقف الجميع بوجه تهديدات النزوح الكامل لم يتبقَّ أمامهم سوى خيار الاعتصام المفتوح لحين تحقيق المطالب».
لا تراجع
وفي الوقت الذي يؤكد فيه أبناء الناحية عزمهم على المضي في اعتصامهم المفتوح وعدم تراجعهم عنه لحين تحقيق مطالبهم، يبيّنون أنّ المطالب ليست مستحيلة وسهلة التنفيذ. وفي هذا المجال يوضّح الناشط البيئي علي محسن لصحيفة (المدى): «اليوم نعلن اعتصامنا المفتوح، ولن نتراجع حتى تُطلق حصتنا المائية، ويُعاد لأرضنا ما سُلب منها ظلمًا. فنحن لا نطلب المستحيل، ولا نرفع شعارات فارغة، إنما نطالب بحقّ مشروع: نريد ماءً نشربه، وأرضًا نزرعها، وكرامة نعيش بها في أرضنا. ونحتاج إلى تدخّل عاجل وسريع لإنقاذ ما تبقّى من أرضنا وأهلنا».
ونوّه محسن إلى أنّ: «شطّ المشرح يلفظ أنفاسه الأخيرة، وما تبقى فيه من ماءٍ لا يصلح حتى للغسل، فكيف يكون للشرب أو للزراعة. لقد أصبحت حياتنا جميعًا مهددة بالخطر، وأهالي الريف الذين فقدوا أرضهم ومحاصيلهم وماشيتهم أصبحوا اليوم على حافة الضياع الكامل. فالجفاف لم يعد أزمة موسمية، بل كارثة حقيقية تنذر بفناء الحياة في عموم مناطقنا».
عشرات القرى
تضمّ ناحية المشرح عشرات القرى المنتشرة على جانبي نهرها المتفرّع من نهر دجلة، والذي يسير أكثر من 30 كم من مركز مدينة العمارة حتى يصل إلى مركز الناحية، ثم يكمل مسيرته نحو أكثر من 20 كم ليصل إلى الأهوار. وطيلة تلك المسافة تتفرع منه عشرات النهيرات نحو أكثر من 30 قرية ومنطقة، كلها مهددة بالنزوح أو الهلاك. ويقول المواطن أبو فلاح، وهو ابن إحدى تلك القرى، لصحيفة (المدى): «الجفاف الذي تشهده مناطقنا غير مسبوق، ورغم خروجنا بتظاهرات واحتجاجات وأطلقنا المناشدات، إلا أنّ الجفاف يشتد يومًا بعد آخر. ولم يتبقَّ لنا خيار سوى حفر الآبار، ولكن المشكلة التي واجهتنا هي ملوحة مياهها وعدم صلاحيتها للشرب».
وأضاف: «الكثير من العوائل هاجرت، ومن بقي يشتري مياه الشرب له ولمواشيه أيضًا. ولكن إلى متى نبقى على هذا الحال؟ لا مياه، لا زراعة، لا أهوار، وفقدنا جميع مصادر رزقنا».










