متابعة المدى
تستعد إسرائيل لوقف عمليات الإسقاط الجوي فوق مدينة غزة وتقليص أو إيقاف دخول شاحنات الإغاثة والمساعدات الإنسانية إلى أجزاء من شمال القطاع، وذلك قبيل توسيع هجومها العسكري بعد يوم من قرار إسرائيلي بإعلان مدينة غزة منطقة قتال، فيما حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات دولية من أن الخطط الإسرائيلية للإجلاء الجماعي مستحيلة وتؤدي إلى كارثة إنسانية.
ويرجّح أن يثير القرار الإسرائيلي هذا المزيد من الإدانات الدولية للحكومة الإسرائيلية في وقت يتصاعد فيه الغضب داخل إسرائيل وخارجها بسبب الأوضاع الكارثية التي يعيشها الفلسطينيون والرهائن المتبقون في غزة بعد ما يقرب من 23 شهرًا من الحرب.
وأوضح مسؤول إسرائيلي في حديث لوكالة «أسوشييتد برس»، طالبًا عدم ذكر اسمه، أن إسرائيل ستوقف قريبًا عمليات إنزال مواد الإغاثة جوًا فوق غزة وتقلّل عدد الشاحنات المتجهة إلى شمال القطاع، تمهيدًا لإجلاء مئات الالاف من السكان جنوبًا، مع تحركات للجيش الإسرائيلي استعدادًا للسيطرة الكاملة على أكبر مدن غزة وسط معارضة شديدة، من أن الحملة ستكون كارثية لا تُحتمل بالنسبة للفلسطينيين المحاصَرين.
ودعا يوم الجمعة الماضية، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الفلسطينيين إلى النزوح جنوبًا، واصفًا الإجلاء بأنه حتمي. كما أنهت إسرائيل مهلة التوقفات التكتيكية المؤقتة في القتال، التي كانت تمتد لعشر ساعات يوميًا منذ شهر، والتي كانت تسمح خلالها بمرور المساعدات.
الأمم المتحدة وشركاؤها أكدوا أن هذه التوقفات والإنزالات الجوية والإجراءات الأخرى لم تكن كافية إطلاقًا، إذ تحتاج غزة إلى نحو 600 شاحنة مساعدات يوميًا، حيث أكد خبراء الأمن الغذائي العالميون تسجيل مجاعة هناك. وحتى يوم السبت لم تُسجَّل أي إنزالات إغاثة جوية منذ عدة أيام، رغم أنها كانت شبه يومية في الأسابيع الماضية.
وقد تؤدي القيود الإضافية إلى تفاقم محنة الفلسطينيين، فبعد نحو 700 يوم من الحرب، أكدت تصنيفات مؤسسة رصد الأمن الغذائي والتغذية (IPC) أن أجزاء من غزة تعاني مجاعة متعمدة «من صنع الإنسان».
وفي تل أبيب تجمعت حشود من المتظاهرين مطالبين الحكومة بالسعي لوقف إطلاق النار بدلًا من تصعيد الهجوم. كما هاجمت عائلات الأسرى لدى حماس الحكومة الإسرائيلية بسبب فشلها في النظر في أحدث مقترحات الهدنة التي قبلتها الحركة قبل نحو أسبوعين.
وقالت مريانا سبوليارتش، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيان السبت: «مثل هذا الإجلاء سيؤدي إلى حركة سكانية ضخمة لا يمكن لأي منطقة في قطاع غزة استيعابها، نظرًا للدمار الواسع للبنية التحتية المدنية والنقص الحاد في الغذاء والماء والمأوى والرعاية الطبية. من المستحيل تنفيذ عملية إجلاء جماعي من غزة بطريقة آمنة وكريمة».
وشهدت مدينة غزة في الأيام الأخيرة قصفًا عنيفًا وهجمات برية إسرائيلية، وفقًا لشهود عيان والسلطات الفلسطينية، ما أدى إلى شل الخدمات الحيوية ودفع مئات الآلاف من الأشخاص إلى التكدس في مناطق آخذة في التضاؤل، حيث بدا مئات السكان مغادرين غزة، محملين ما تبقى من متاع على شاحنات صغيرة أو عربات تجرها الحمير. كثير منهم اضطروا لمغادرة منازلهم أكثر من مرة منذ اندلاع الحرب.
وبحسب أرقام مستشفيات غزة، قُتل ما لا يقل عن 47 شخصًا في المدينة يوم السبت. وقالت مصادر صحية محلية إن ضربة إسرائيلية في شارع النصر غرب المدينة أودت بحياة ما لا يقل عن 15 فلسطينيًا، بينهم ستة أطفال. وفي هجوم آخر، استهدف قصف إسرائيلي مبنى يأوي نازحين في حي الرمال بغزة، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص، بحسب الدفاع المدني في غزة. يوم الجمعة، أعلن الجيش الإسرائيلي أن غزة «منطقة قتال خطيرة» تمهيدًا للهجوم المرتقب، الذي قال عنه بنيامين نتنياهو إنه يستهدف ما وصفه بأحد «المعاقل المتبقية لحماس».
وبحسب سكان المدينة، ألقت طائرات إسرائيلية مسيّرة هذا الأسبوع مناشير تدعو الناس إلى النزوح جنوب وادي غزة، الأمر الذي دفع لجنة الصليب الأحمر الدولية إلى رفض هذه السياسة التي تنتهجها إسرائيل، مشيرة إلى أنه ليس هناك منطقة آمنة في غزة تستوعب أعداد النازحين وسط دمار واسع في البنى التحتية ونقص حاد في مواد الإغاثة.
من جانب آخر، قال متحدث باسم بلدية غزة يوم السبت الماضي إن أكثر من مليون شخص نازحون في المناطق الوسطى والغربية من المدينة، محذرًا من أن الوضع «كارثي».
وأضاف قائلًا: «نتوقع زيادة حادة في عدد الضحايا إذا وسّع الاحتلال عملياته العسكرية. نحن أمام انهيار كامل للخدمات، في ظل استمرار الاحتلال في منع دخول الوقود والمعدات التي نحتاجها».
من جهته، حذّر مسؤول أممي بارز هذا الأسبوع من أن سكان غزة الذين يعانون الإرهاق والجوع وسوء التغذية والإنهاك، يعيشون تحت ظل القصف المستمر، ما يضعف قدرتهم على اتخاذ قرارات حياة أو موت.
وقال سام روز، القائم بأعمال مدير شؤون وكالة الأونروا في غزة: «هؤلاء الناس يواجهون الموت، والآن يواجهون أيضًا خطر الغزو. إنهم يعيشون تحت الإرهاب 24 ساعة يوميًا».
وفي الوقت ذاته، أفادت وزارة الصحة في غزة يوم السبت الماضي بوفاة 10 أشخاص آخرين بسبب الجوع وسوء التغذية، ليرتفع العدد الإجمالي للذين توفوا بسبب الجوع في غزة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 332 شخصًا، بينهم 124 طفلًا. في حين أشارت إلى أن حصيلة القتلى في غزة منذ اندلاع الحرب وصلت إلى 63 ألفًا و371 شخصًا، نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال.
ومع تعثر الجهود المبذولة والدعوات لوقف إطلاق النار، فإنه ما يزال هناك 48 رهينة داخل غزة من أصل أكثر من 250 خُطفوا خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتعتقد إسرائيل أن نحو 20 منهم ما زالوا أحياء.
وتخشى عائلاتهم التي نظمت تظاهرات احتجاج جديدة يوم السبت داخل إسرائيل للمطالبة بصفقة وقف إطلاق نار تضمن عودة جميع الرهائن إلى بيوتهم، أن يعرّضهم الهجوم العسكري المتوسع إلى مخاطر أكبر.
عن وكالات عالمية










