فائق العبودي
تشارك الكاتبة والفنانة التشكيلية لبنى ياسين في المعرض الفني الصيفي المشترك، والذي سيقام في مدينة خرونيغن الهولندية، في غاليري" Forma Aktwa"، للفترة م ن 16.07.2025 الى 24.08.2025 ضمن فعالية النشاط الصيفي.
ولقد حرصت ادارة الغاليري على دعوة نخبة من الفنانين ذوي الخلفيات والثقافات المتعددة، والذين يشتركون في حساسية بصرية وروحية تعكس ملامح رؤاهم الابداعية. والجدير بالذكر هذه ليست المرة الأولى التي تشارك فيها "لبنى ياسين" في هذا الفضاء، فقد سبق وأن قدمت مشاركات لاقت صدىً إيجابيًا، مما يؤكد حضورها المتجدد في الساحة الفنية الأوروبية.
تُقدِّم الفنانة في هذه الدورة أربعة أعمال بأحجام متباينة، ينتميان من حيث الأسلوب والتقنية إلى المدرسة التعبيرية، حيث تتداخل الوجوه والشخصيات في فضاء بصري مفعم بالحركة والرمزية. تبدو هذه الوجوه وكأنها تراقب العالم من خلف الأقواس والخطوط الملوّنة، بعيون متوارية لكنها يقِظة، تستشرف الأحداث وتقرأ المشهد من بعيد. هذا البعد المراقِب يمنح اللوحات طابعًا تأمليًا، يشي بحالة من القلق أو الترقب. تعتمد ياسين على تدرجات لونية متباينة، تتوقف فجأة عند خطوط داكنة، أشبه بحدود أو حواجز بصرية تمنع الأشكال من التمدد أو العبور، وكأنها تقول لنا إن ثمة أشياء لا يمكن تجاوزها. هذه الفواصل ليست فقط عناصر تشكيلية بل تبدو وكأنها رموز لحواجز داخلية، أو حدود وضعتها الفنانة لتأطير التجربة الإنسانية داخل عالمٍ متقلّب. والجدير بالذكر أن لبنى ياسين لا تقتصر في حضورها على الفن التشكيلي فحسب، بل تمتلك مسيرة إبداعية متعددة الأوجه، حيث أقامت أربعة معارض شخصية، كما شاركت في معارض دولية مختلفة في الصين، وكوريا الجنوبية " "، وهولندا، وأصدرت عددًا من الأعمال الأدبية التي تنوعت بين الرواية، والشعر، والقصة القصيرة، والنصوص الساخرة. هي امرأة مسكونة بالبحث، والاختلاف، والتميز، تجمع بين العين التي ترسم، والقلم الذي يروي، في مسيرة تنسج بين الفن والكلمة عوالمها الخاصة.
في أعمالها التشكيلية، والأدبية، تبرز لبنى ياسين انحيازها الواضح للإنسان بوصفه مركز الحكاية، سواء في اللوحة أو النص، هي لا ترسم الوجوه لتوثق ملامحها، بل لتفككها، وتعيد بناءها وفق منظورها الخاص، حيث يتحول الشكل إلى حالة شعورية، واللون إلى فكرة معلقة بين الوعي واللاوعي، الوجوه عندها لا تستكين، بل تتغير، تحاور المشاهد، وتدعوه لاكتشاف ما وراء اللون والخط.
في هذا المعرض، يبدو واضحا انعكاس التداخل الثقافي والبصري على لوحاتها، فالألوان المتباينة تميل إلى القوة والافصاح حينا، والتكثيف حينا آخر، تحاكي تقلبات الداخل البشري أمام واقع لا يكف عن التحول، وكأنها في كل لوحة تعيد بناء جسر بينها وبين الوطن الغائب الحاضر، تصالح فيه الذاكرة مع الزمن.
من يتأمل أعمال لبنى ياسين، يدرك سريعا أنها فنانة لا تخشى المواجهة، أعمالها حوار بصري مفتوح مع الذات والعالم، تذهب نحو تخوم النفس البشرية، تبحث عن تلك المناطق الشعورية التي نخشى عادة ملامستها، ومع كل تجربة جديدة، تثبت أنها قادرة على الخروج من إطارها، وكسر القوالب الجاهزة، لتقدّم فنا حيا.. نابضا، يعكس قلق الإنسان المعاصر، وتوقه للسلام الداخلي.
ولا يخفى على من يتابع مسيرتها، تلك العلاقة العميقة التي تنسجها بين التشكيل، والأدب، فهي إذ تمسك بالفرشاة، تستدعي القصة خلف الصورة، والحدث خلف اللون، وكأن كل لوحة نص، وكل نص لوحة مؤجلة، تتوالد من رحم التجربة، وتعبر عن وجع فردي يعانق الهم الجمعي.
هكذا، تواصل لبنى ياسين كتابة فصولها بين الريشة والقلم، وتؤكد في كل محطة فنية وأدبية أن الفن ليس مجرد شكل جمالي، بل موقف وجودي، ورسالة إنسانية قبل أن يكون عرضا للمشاهدة.
قراءة في أعمال الفنانة لبنى ياسين بمعرض "الصالون الصيفي" في هولندا

نشر في: 1 سبتمبر, 2025: 12:15 ص









