محمد العبيدي/ المدى
تثير تجربة الدفع الإلكتروني في العراق تساؤلات عن مدى نجاحها وسط حالة من التردد الشعبي، وبرغم التحول الكبير الذي طرأ خلال العامين الماضيين، إلا أن عدد البطاقات الممنوحة للأفراد لا يزال يكشف عن فجوة بين الأرقام الرسمية وبين مستوى القبول المجتمعي.
وتشير الإحصاءات إلى إصدار أكثر من 20 مليون بطاقة دفع إلكترونية في عموم البلاد، فيما ارتفع عدد نقاط البيع إلى نحو 60 ألف نقطة.
لكن عند النظر إلى حجم الكتلة السكانية التي تتقاضى رواتب أو إعانات من الدولة، يتضح أن أغلب هؤلاء جرى «توطين» رواتبهم بشكل إلزامي.
فعدد الموظفين في الدولة يزيد على 4.2 ملايين موظف، بينما يبلغ عدد المتقاعدين أكثر من 3 ملايين، ويضاف إليهم نحو 3 ملايين مشمولون بشبكة الحماية الاجتماعية، فضلًا عن آلاف المستفيدين من مخصصات مؤسسة الشهداء وغيرهم، ما يشير إلى أن حيازة بطاقات الدفع لم تكن خيارًا حرًّا بقدر ما جاءت استجابة لقرارات حكومية بإلزام المؤسسات بتوطين الرواتب والتحصيل الإلكتروني.
ويرى محافظ البنك المركزي علي العلاق أن «الدفع الإلكتروني يشهد تطورًا كبيرًا، وهو بوابة من بوابات التحول الرقمي نحو اقتصاد متنوع وتحقيق الشمول المالي».
وأضاف في تصريح صحفي أن «مجلس الوزراء ألزم جميع مؤسسات الدولة بالتعامل بالدفع الإلكتروني وليس النقدي، إلى جانب مشروع توطين الرواتب الذي يشمل ملايين الموظفين، وبرامج التوعية العامة التي تجري عبر شركات الدفع ومنظمات المجتمع المدني».
وأوضح العلاق أن «التقدّم في الدفع الإلكتروني يحتاج إلى ثلاث ركائز، هي البنية التحتية، البنية التشريعية، والوعي المجتمعي»، مبينًا أن «الكثير من البنى التحتية قد أُنجزت بشكل متقدم، وكذلك الأطر التشريعية، فيما يبقى جانب الوعي هو الحلقة الأضعف التي تحتاج إلى جهد أكبر».
دائرة إعلامية للبنك المركزي
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي أحمد الهذال أن «دور الإعلام في عمل البنك المركزي ما يزال ضعيفًا ويعتمد بشكل كبير على رابطة المصارف، التي تتولى إقامة المؤتمرات والندوات»، معتبراً في حديث لـ(المدى) أن «هذا الأسلوب غير صحيح».
وأضاف الهذال أن «المواطنين يفتقرون إلى المعلومات الاقتصادية الأساسية مثل أنواع الحسابات المصرفية والفوائد والضمانات»، مشيرًا إلى أن «مؤسسة ضمان الودائع كان يمكن أن تُستثمر لتعزيز الثقة وسحب السيولة المكتنزة في المنازل، والتي تصل إلى نحو 90%».
وبيّن أن «البنك المركزي بحاجة إلى دائرة إعلامية متخصصة تبسط المؤشرات الاقتصادية عبر أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة والإنفوغرافيك»، لافتًا إلى أن «تجارب دول مثل مصر والإمارات وتركيا تؤكد أهمية الدور الإعلامي في إنجاح أي إصلاح اقتصادي».
ويشير مختصون إلى أن توسيع قاعدة الاستخدام يبقى التحدي الأهم أمام الحكومة والبنك المركزي، إذ ما زالت المدفوعات الإلكترونية محصورة في قطاعات محدودة، بينما تحتاج لأن تشمل كل الخدمات والتعاملات التجارية، بدءًا من المؤسسات الحكومية وصولًا إلى الأسواق الصغيرة والمحال الشعبية.
كما أن بناء الثقة المجتمعية يمثل شرطًا أساسيًا لترسيخ هذه الثقافة، حيث يشكو المواطنون من أعطال متكررة في أجهزة الدفع، ومن بطء في تسوية الأخطاء أو استرداد الأموال عند حدوث خلل.
ضرورة مُلحة ولكن..
ويرى خبراء أن معالجة هذه الإشكالات بسرعة وشفافية هو ما سيمنح المواطن الاطمئنان بأن البطاقة بديل فعلي وآمن عن النقد الورقي.
في المقابل، حذّر الخبير الاقتصادي عبدالسلام حسن من «استمرار تأخر العراق في اعتماد الدفع الإلكتروني بشكل منظم وفعال»، مؤكدًا لـ(المدى) أن «هذا النظام يمثل خطوة ضرورية لمكافحة الفساد المالي والإداري المستشري في الدوائر الحكومية».
وأوضح حسن أن «المواطنين يدفعون مليارات الدنانير يوميًا كرسوم رسمية في دوائر العقار والمرور وغيرها، لكن جزءًا كبيرًا منها يُقسم تحت الطاولة»، مشيرًا إلى أن «تطبيق الدفع الإلكتروني وفق ضوابط صارمة يمكن أن يوفّر ما لا يقل عن 30 مليار دينار شهريًا».
وأضاف أن «هذه الأموال كفيلة بالمساهمة في حل أزمات البطالة وتوفير فرص عمل للخريجين»، داعيًا إلى رقابة حكومية تواكب التطور التشريعي والتقني في هذا المجال.