 الانبار / محمد علي

تعاني المواقع الأثرية في الأنبار من الإهمال المتراكم طوال العقود الماضية، ما أدى إلى اندثار بعضها وتعرّض أخرى للهدم والتجاوز بغية الاستحواذ على أراضيها، مستغلّين ضعف تطبيق القانون وما شهدته المحافظة من أحداث أمنية متعاقبة، الأمر الذي دفع مفتشية آثار الأنبار إلى إطلاق حملة لإزالة هذه التجاوزات وحماية الإرث التاريخي للمحافظة.

ويقول مفتش آثار وتراث الأنبار، عمار علي حمدي، في تصريح للوكالة الرسمية تابعته (المدى) إن “المفتشية أطلقت حملة لإزالة التجاوزات والحد منها على المواقع الأثرية في المحافظة، بتوجيه من الهيئة العامة للآثار وبالتعاون مع الحكومات المحلية في الأقضية ومديريات البلديات”.
ويضيف حمدي أن “العمل شمل إزالة العديد من التجاوزات على المواقع الأثرية في أقضية القائم والفلوجة والرمادي، وكان لهذه الحملة أثر كبير في الحد من التجاوزات الحاصلة على المواقع”.
ويؤكد أن “الحملة مستمرة وبدعم وإسناد من الحكومة المحلية والقوات الأمنية”، موضحًا أن “الحملة تتم عن طريق المحاكم والقضاء وأيضًا من قبل المفتشية وقسم شرطة حماية الآثار”.
ويشير إلى أن “الهدف من الحملة هو الحد من التجاوزات وتوعية المواطنين، وسيتم التعامل مع أي تجاوز مستقبلاً بالإزالة بشكل مباشر”.
من جهته، يؤكد قائممقام الرمادي، صادق جميل الدليمي، خلال حديث لـ(المدى) أن “إزالة التجاوزات على المواقع الأثرية تتم وفق آليات واضحة تبدأ بحصرها وتوثيقها رسميًا، ثم توجيه إنذارات للمخالفين، والتنسيق مع الشرطة والبلدية لإزالتها ميدانيًا”، مشيرًا إلى أنه “يتم إحالة المخالفين للقضاء، مع العمل على حماية المواقع عبر بناء السياج والحراسة ونشر الوعي المجتمعي لمنع تكرارها”.
ويضيف أن “الحكومة المحلية تواصل دعم جهود حماية المواقع الأثرية ضمن حدود القضاء عبر توفير الإسناد اللوجستي والأمني، والتنسيق المستمر مع دائرة الآثار والشرطة والبلدية، إلى جانب تخصيص الموارد اللازمة لصيانتها وحمايتها”.
ويشير إلى أن “أبرز الصعوبات التي تواجه حملة إزالة التجاوزات تكمن في مقاومة بعض المتجاوزين والضغوط الاجتماعية، وضعف الوعي بأهمية هذه المواقع، وهو ما يتطلب إجراءات قانونية رادعة وحازمة”.
ويلفت الدليمي إلى أن “هناك برامج توعية يجري تنفيذها من خلال حملات إعلامية، وإشراك شيوخ العشائر ومنظمات المجتمع المدني، وكذلك إطلاق برامج تثقيفية في المدارس والجامعات لتعزيز قيمة الآثار بوصفها جزءًا من هوية المحافظة”.
بدوره، يقول المختص في شؤون الآثار والتراث، عمر عبد الوهاب، خلال حديث لـ(المدى) إن “الأنبار من المناطق العراقية الغنية بالمواقع الأثرية، إذ تضم مدينة تاريخية كانت مركزًا استراتيجيًا وتجاريا تعاقبت عليها حضارات مثل الساسانيين والرومان، كما أصبحت عاصمة للخلافة العباسية قبل تأسيس بغداد، وانتشرت فيها محطات القوافل على طريق الحرير وعدد من الحصون الإسلامية، وتمثل هذه المواقع ذاكرة حضارية وشاهدًا على امتداد الجذور التاريخية لبلاد الرافدين”.
ويضيف أن “استمرار التجاوزات على الآثار بصورة عامة، سواء كان حفرًا غير مشروع أو تجريفًا للأراضي أو بناءً عشوائيًا أو تهريبًا لقطع أثرية، يوقع أضرارًا بالغة بالمواقع الأثرية، لأنه يؤدي إلى فقدان طبقات أثرية كاملة، وبالتالي ضياع تسلسل زمني كان من الممكن أن يوضح مراحل تاريخية مهمة”.
ويؤكد عبد الوهاب أن “التأثير الأهم لهذه التجاوزات هو تشويه الهوية الثقافية المحلية وإفقادها أهم عناصرها المادية الموثوقة”، مشيرًا إلى أن “ذلك يشكل صعوبة أو استحالة لإجراء دراسات علمية دقيقة، لأن السياق الأثري يتدمر عند التجاوز، مما يؤدي إلى إضعاف الثقة الأكاديمية في إمكانية استثمار هذه المواقع كمصادر للبحث العلمي”.
تُعد الأنبار من أبرز المحافظات العراقية الغنية بالمواقع الأثرية والتاريخية، إذ تنتشر فيها مئات المواقع، وتُقدَّر في بعض الإحصاءات بأكثر من 500 موقع تعود إلى فترات حضارية متعاقبة، تبدأ من العصور السومرية والآشورية والبابلية، مرورًا بالعصرين الإسلامي والعباسي، وصولًا إلى الحقبة العثمانية، وتتوزع هذه المواقع بين مدن أثرية، وقلاع تاريخية، وخانات، وجسور، ومراصد، فضلًا عن مقابر ملكية